الاهداء

الى الذي كان خلقه القرآن..

الى الرسول القائد..

محمدبن عبدالله‏صلى الله عليه وآله.

اهدي هذا الجهد المتواضع..

المقدمة

بسم‏الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى آله الطيبين‏الطاهرين.

و بعد: فقد كان القرآن الكريم ولايزال موضع احترام المسلمين وتقديسهم، فمنه‏يستمدون اسس اعتقاداتهم، ويستلهمون من آياته ماتصلح به امور دينهم ودنياهم، وينهلون‏من فيضه قيمهم وافكارهم ومعايير سلوكهم، فنشات العلاقة بين القرآن والانسان المسلم‏على هذا الاساس، وظلت تتعمق الصلات بينهما وتتجذر الاواصر بتناسب طردي مع وعي‏الانسان والتزامه.

ولقد استطاع القرآن الكريم ان يقفز بالمؤمنين به قفزات عملاقة على صعيد الفكروالسلوك والبناء الحضاري والمحتوى الداخلي للانسان; وبالتالي فقد جعل منهم امة وسطاشاهدة على الخلق، ونصب من العاملين به خلفاء لله على ارضه وحججا على عباده.

وارتبط المسلمون بهذا الدستور الالهي ايما ارتباط، ومنحوه من العناية والاهتمام‏ماوسعتهم الحيلة واسعفهم الجهد والامكان، ولذلك انصبت جهود العلماء على اكتشاف‏خزائن عطائه وكنوز خيراته من خلال توضيح معانيه واستنطاق آياته واستجلاء حقائقه‏وتبيان مفاهيمه، وتنافسوا في ذلك مستفرغين الوسع، فتشعبت مذاهبهم واتحفوا المكتبة‏الاسلامية بما لاحصر له من التفاسير التي ستبقى - رغم ما فيها من جوانب مشرقة - قاصرة‏عن ادراك كنه المعجزة الالهية واسرار النص القرآني.

وقدحظي القرآن الكريم باهتمام المسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم وطرائقهم، اذانبرى له من كل مذهب جمع من خيرة العلماء والمتخصصين لدراسته والغوص في بحارمفاهيمه ومعانيه; وقدكان للشيعة الامامية شرف المساهمة في استجلاء معاني النص‏القرآني، حيث تطوع جمع من علمائهم على مر العصور المتعاقبة لتفسير القرآن الكريم،وتوضيح آياته واستنباط احكامه وتشريعاته.

وقدشهد القرن الخامس الهجري ولادة كتاب يحتوي على تفسير جميع القرآن،ويشتمل على فنون معانيه (1) لواحد من اكبر علماء عصره هو الشيخ الطوسي - زعيم المذهب‏الامامي آنذاك - الذي استطاع ان يقوم بعملية تطوير واضحة المعالم في المنهج التفسيري‏الذي تبناه في تبيانه.

وقد تصديت‏بعد التوكل على الله تعالى لخوض غمار دراسة حول الشيخ الطوسي‏ومنهجه في التفسير، فكانت رسالتي الموسومة الطوسي مفسرا جهدا متواضعا على شواطئ‏بحر العظمة القرآنية التي غاص في عباب رحمتها الشيخ الطوسي; ليحمل من لآلئها مايزين‏بها تبيانه، ويتقلدها وسام فخر يغالب الزمن، وتنقشه ريشة الخلود عطاء ثرا وسفرا خالداوشجرة مباركة تؤتي اكلها كل حين ذكرا حسنا وثناء جميلا.

ولعل بواعث اختياري لهذا الموضوع هي ما يلي:

1. كون تفسير التبيان اول محاولة تفسيرية كاملة عند الشيعة الامامية.

2. كون الشيخ الطوسي، فقيها مجتهدا استطاع ان يتعامل مع النص القرآني بذهنية‏اسلامية ذات طابع شمولي لاحاطة المفسر باكثر جوانب العلوم والثقافة الاسلامية فضلاعن كونه مؤسسا للحوزة العلمية في النجف الاشرف، والتي اصبحت فيما بعد من اهم واكبرالجامعات في العالم الاسلامي.

3. سلك المفسر في تفسيره منهجا ثنائي الاتجاه جمع فيه منهج التفسير بالراي الى‏جانب منهج التفسير بالاثر، وبهذا يكون الشيخ الطوسي قداقام التفسير على دعامتي العقل‏والنقل بعد ان كان مستندا الى دعامة النقل وحدها.

4. استطاع الشيخ الطوسي من خلال تطرقه الى الابواب المتعددة في تفسيره، ان يحفظتراثا فكريا وثقافيا ولغويا ضخما سواء عند مناقشته لآراء اصحاب المذاهب الاسلامية اوآراء النحاة واللغويين فيمايذهبون اليه.

5. كان الشيخ الطوسي يتحلى بروح موضوعية عالية ونزعة علمية نزيهة، ويظهر ذلك‏جليا من خلال سرده لآراء من يختلف معهم من علماء المدارس الاسلامية واصحاب‏المذاهب والمقالات وذلك اثناء مناقشته لهم وردوده عليهم بعيدا عن كل تعصب ذميم اوتحجر ممقوت، حيث كان يقبل من آراء الآخرين ما يراه صحيحا، بينما يرفض او يضعف‏مالاينسجم والمنهج العلمي الذي آمن به، وان كان من المرويات المنسوبة الى ائمة اهل‏البيت‏عليهم السلام وبهذا يكون الطوسي عالما باحثا عن الحقيقة مؤمنا بها رافضا لما سواها بغض‏النظر عن كل اعتبار آخر.

ولهذا فقد جاءت دراستي هذه محاولة مني للكشف عن جوانب العظمة في شخصية‏الشيخ الطوسي وآثاره العظيمة التي يشكل التبيان احد دعائمها.

وقدتناولت في هذه الدراسة ثلاثة ابواب وخاتمة:

ففي الباب الاول تحدثت‏بفصلين عن حياة الشيخ الطوسي وبيئته وعصره مبينا ثقافته‏وهجراته ومراحل دراسته وشيوخه وتلاميذه وتاليفه شارحا بالتفصيل الظروف السياسية‏والفتن الطائفية التي عصفت‏به في بغداد ومن ثم هجرته الى مدينة النجف الاشرف وانشاءه‏لمدرسته الجديدة فيها.

وفي الباب الثاني قسمت الحديث الى فصول اربعة:

الفصل الاول، اجملت فيه البحث‏حول نشاة التفسير وتطور مناهجه، ثم اردفته بوصف‏مجمل عن التبيان.

اما الفصل الثاني، فقد تكلمت فيه عن الجانب العقلي في التبيان، وبينت منهج المفسروآراءه وطريقته في التعامل مع النص القرآني بوحي من العقل والراي المقبول موضحامناقشته لآراء المفسرين، واصحاب المذاهب من المعتزلة والمشبهة والمجسمة والمفوضة‏وغيرهم.

وفي الفصل الثالث، تناولت الجانب الاثري في التبيان موضحا تفسيره للقرآن بالقرآن‏وتفسيره للقرآن بالسنة، وطريقة استخدام الشيخ الطوسي للسياق والنظم بين الآيات في‏فهم النصوص القرآنية.

اما الفصل الرابع، فقد تكلمت فيه بشي‏ء من التفصيل عن الجانب اللغوي في التبيان‏موضحا طريقة استخدام المفسر للغة والاعراب والقراءة والشعر والامثال في استيضاح‏المعنى المراد بيانه.

وفي الباب الثالث تطرقت‏بفصلين مستقلين عن علوم القرآن وعقائد الامامية على‏التوالي:

ففي الفصل الاول تعرضت لموقف الشيخ الطوسي من علوم القرآن كالناسخ والمنسوخ‏والتاويل واسباب النزول والمحكم والمتشابه وآيات الاحكام.

اما الفصل الثاني من هذا الباب فقد افردته للحديث عن عقائد الامامية، وتطرقت فيه‏الى اصول الدين: التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد، وما يتفرع من مسائل كالتقية‏والعصمة والصفات وخلق القرآن وافعال العباد والحسن والقبح والمتعة وغيرها.

وبهذا حاولت الكشف عن المنهج التفسيري للشيخ الطوسي مستعينا بالله تعالي‏ومستمدا منه القوة; اذ لاحول لي ولاقوة بسواه، والله اسال ان يهدينا سبل الرشاد، ويوفقناللعلم والعمل بكتاب الله، انه نعم المولى ونعم النصير، والحمدلله رب العالمين.

تعليقة:


1) انظر التبيان، ج‏1، ص‏1.