الباب الاول: الطوسي; حياته، ثقافته، عصره

الفصل الاول: حياة الشيخ الطوسي وثقافته

حياة الشيخ الطوسي

الشيخ الطوسي هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي.

«المولود في شهر رمضان عام 385ه (1) » في طوس (2) بايران، والذي كان قدنشا فيها (3) ،وترعرع والى ان بلغ الثالثة والعشرين من عمره، عندها عزم على الهجرة الى العراق، فنزل‏بغداد عام 408ه .

وقدتعرضت مدينة طوس للعديد من النكبات، وصارت هدفا لاعداء اهل البيت، شانهاشان غيرها من المدن الاسلامية المقدسة التي ضمت مراقد آل‏محمدعليه السلام، فقدضربت هذه‏المدينة ثلاث مرات: هدمها للمرة الاولى الامير سبكتكين، وقوضها للمرة الثانية الغزنويون،واتلفتها للمرة الثالثة عاصفة الفتنة المغولية عام 716ه على عهد الطاغية جنگيزخان،وقدتجددت ابنيتها، واعيدت آثارها بعد كل مرة (4) ، وهي اليوم - مع ماحل فيها من تخريب‏ودمار - من اجل معاهد العلم عند الشيعة.

«وفيها خزانة كتب للامام الرضاعليه السلام‏» (5) .

وقدكانت طوس احدى المراكز العلمية المهمة في اقليم خراسان، والذي «ينسب اليه‏خلق كثير من العلماء في كل فن‏» (6) ، حيث نبغ فيها فحول العلماء من المهاجرين اليهاوالمتولدين فيها، ومن بين هؤلاء ابو احمد محمد بن‏محمد بن‏احمد الغزالي صاحب كتاب‏احياء العلوم مدرس النظامية ببغداد، وحسن بن‏فضل بن‏حسن الطبرسي صاحب تفسيرمجمع البيان الذي يعد من مراجع كتب التفسير، ومحمد بن‏حسين بن‏عبدالصمد الحارثي‏العاملي المعروف بالشيخ البهائي، او بهاءالدين العاملي، ومنهم الشيخ محمد بن الحسن‏بن‏علي الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة، والجواهر السنية، من مراجع كتب الحديث،وابوالقاسم محمود بن‏عمر بن‏محمد الملقب بالزمخشري صاحب كتاب تفسير الكشاف، وابوجعفر محمد بن‏الحسن الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار و تفسير التبيان - مفسرنا -والفيلسوف العالم نصير الملة والدين محمد بن محمد الطوسي الحكيم والفلكي المعروف،والمحدث الفقيه ابو عبدالرحمن احمد بن‏علي بن‏شعيب النسائي صاحب كتاب الخصائص‏والسنن، وابوبكر احمد بن‏الحسين البيهقي، الفقيه الشافعي، وابو الفتح محمد بن‏عبدالكريم‏الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل، والعالم اللغوي الشهير عبدالملك بن‏محمدبن‏اسماعيل الثعالبي الملقب بالفراء صاحب كتاب فقه اللغة ويتيمة الدهر وسحر البلاغة، ثم‏العالم المنطقي المعروف سعد بن‏عمر بن‏عبدالله التفتازاني مصنف كتاب التهذيب في المنطق‏والمطول في المعاني والبيان، وابو نصر اسماعيل بن‏حماد الفارابي المعلم الثاني، والعالم‏الرياضي الحكيم الخيام; هؤلاء هم بعض الذين نبغوا من ارض طوس، وتركوا للعالم آثاراابدية (7) .

ومما اضفى على هذه المدينة اهمية كبرى هو مرقد الامام علي‏بن موسى‏الرضاعليه السلام‏ثامن ائمة الشيعة الاثني عشرية، وهي لذلك مهوى افئدتهم، يؤمونها من الاماكن البعيدة‏والبلد ان النائية، ويتقاطرون اليها من كل حدب وصوب للتبرك بالعتبة المقدسة (8) .

وقدترعرع الشيخ الطوسي في مسقط راسه، ودرس فيها علوم اللغة والادب‏والفقه والحديث وعلم الكلام; ليهاجر بعدها الى العراق (9) «حاملا من الثقافة الاسلامية‏فنونها (10) ».

وهناك استقر الطوسي في بغداد، حيث كانت تعج‏بالثقافة والعلوم، ويقصدها طلاب‏المعرفة من كل بلاد، وصادف وصوله الى بغداد بعد تربع الشيخ المفيد على كرسي الزعامة‏الفكرية للمذهب الجعفري، وبعد ان قطع شوطا بعيدا في مجال العلم والمعرفة، الامر الذي‏جعل حلقات درسه زاخرة بطلبة العلوم «فكان يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء من‏سائر الطوائف (11) ».

مما يؤكد موضوعية الشيخ المفيد احترام الناس له، وان اختلفوا معه في الراي اوالانتماء المذهبي، فكان لهذه الاجواء تاثير بالغ في اجتذاب الطلاب الى بغداد والتي كانت‏في ذلك الوقت عاصمة للخلافة، حتى صار شيخنا الطوسي واحدا من بين العديدين الذين‏اموا بغداد وقصدوها، وقدتتلمذ صاحبنا على يد الشيخ المفيد آنذاك ونهل من معارفه‏وعلومه ماشاءالله.

وتلمذة الطوسي على يد الشيخ المفيد، تدل على ان مفسرنا كان قدقطع شوطا كبيرا من‏دراسته في مسقط راسه قبل هجرته الى بغداد، مما اهله لان يحظى بموقع متقدم في مجال‏الدراسة التي يشرف عليها الشيخ المفيد مباشرة، وهو صاحب الزعامة الفكرية للشيعة‏الامامية آنذاك.

وقد اثنى على الشيخ الطوسي جمع من العلماء والمؤرخين، وهنا نورد بعض اقوالهم:

فالعلامة الحلي (ت‏726) يصفه بانه:

شيخ الامامية ووجههم ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق،عارف بالاخبار والرجال والفقه والاصول والكلام والادب، وجميع الفضائل تنسب‏اليه، صنف في كل فنون الاسلام، وهو المهذب للعقائد في الاصول والفروع الجامع‏لكمالات النفس في العلم والعمل (12) .

وقال الشيخ المجلسي بحقه: «ثقة، وفضله وجلالته اشهر من ان يحتاج الى بيان (13) ».

وقال السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية عند ترجمته للشيخ الطوسي:

شيخ الطائفة المحقة، ورافع اعلام الشريعة الحقة، امام الفرقة بعد الائمة المعصومين،وعماد الشيعة الامامية، في كل مايتعلق بالمذهب والدين، محقق الاصول والفروع،ومهذب فنون المعقول والمسموع، شيخ الطائفة على الاطلاق، ورئيسها الذي تلوى اليه‏الاعناق، صنف في جميع علوم الاسلام، وكان القدوة في كل ذلك (14) .

ويصفه الاردبيلي بانه «رئيس الطائفة (15) ».

وابن كثير يصفه: «فقيه الشيعة‏» (16) .

وابن الجوزي ينعته بعبارة: «متكلم الشيعة‏» (17) ، والمتكلم يعني فيما يعني، اهتمامه‏بالعقائد والفلسفة، ومثل هذه الاقوال او مايشبهها من الثناء والاطراء اقترنت مع اسم الشيخ‏الطوسي، حال ذكره او ترجمته من قبل العلماء والرواة واصحاب التراجم والسير، وهنا نوردبعضا ممن اطراه من الاعلام:

ا) من اعلام اهل السنة

1. ابن الاثير عزالدين ابوالحسن علي بن ابي الكرم محمد بن محمد بن‏عبدالكريم‏الشيباني الجزري (18) (ت 606ه ).

2. ابن حجر شهاب‏الدين ابوالفضل احمد بن علي العسقلاني (19) (ت 852ه ).

3. ابن كثير عمادالدين ابوالفداء اسماعيل بن عمر القرشي (20) (ت 774ه ).

4. ابوالفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي (21) (ت‏597ه ).

5. تاج‏الدين ابونضر عبدالوهاب بن‏علي بن عبدالكافي السبكي (ت 771ه ) (22) .

6. الشيخ محمود ابو زهرة المصري (23) .

7. الدكتور محمود محمد الخضيري (24) .

ب) من اعلام الشيعة

1. معاصره الشيخ ابوالعباس النجاشي (ت 450ه ) (25) .

2. العلامة الحلي جمال‏الدين ابومنصور الحسن بن‏يوسف الحلي (ت 726ه ) (26) .

3. الشيخ محمد باقر المجلسي (صاحب البحار) (ت 1111ه ) (27) .

4. المحدث الشيخ يوسف البحراني (ت 1186ه ) (28) .

5. الشيخ حسين بن الشيخ عبدالصمد الحارثي (ت 984ه ) والد الشيخ البهائي (29) .

6. المحدث الشيخ ميرزا محمد حسين النوري النجفي (ت 1320ه ) (30) .

7. العلامة الشيخ محمد باقر الخوانساري (ت 1313ه ) (31) .

8. العلامة الميرزا محمد بن علي الاسترابادي (ت 1028ه ) (32) .

9. الحافظ محمد بن علي بن شهر آشوب المازنداراني (ت 588ه ) (33) .

10. الشيخ ابو علي الحائري (ت 1215ه ) (34) .

12. العلامة السيد حسن الصدر الكاظمي (ت 1354ه ) (35) .

هذا وقدحظي شيخنا الطوسي بعناية خاصة من لدن الكتاب والعلماء والباحثين، حيث‏ترجم له الكثيرون، ويكفي ان نشير هنا الى ماكتبه الشيخ الدكتور محمد هادي الاميني‏تحت عنوان «مصادر الدراسة عن شيخ الطائفة ابي جعفر الطوسي‏» اذ ذكر في كتابه هذا (240)مائتين واربعين مصدرا عربيا وفارسيا، كان بعضها مطبوعا والبعض الآخر مخطوطا، وكلهاتترجم للشيخ الطوسي، او تذكر شيئا عن احواله (36) ، الامر الذي يعكس مكانة الطوسي وعلوشانه، فاستحوذ على اهتمام الدارسين والمؤرخين واصحاب التراجم والسير، وهذامالايحصل عليه الا اولئك الخاصة من العلماء والمهتمين في التاريخ.

شيوخه

تتلمذ الشيخ الطوسي على يد جملة من العلماء والشيوخ سواء في طوس او في بغداد،وكان هؤلاء الاساتذة والشيوخ ينتمون الى مذاهب اسلامية مختلفة، ففيهم علماء الامامية‏والزيدية واهل السنة، الامر الذي ساهم وبشكل فعال في خلق الثقافة الموسوعية لمفسرنا،كما وطبع شخصيته بشي‏ء من الانفتاح، ومنحها خاصية التحري والاستقصاء، بعد ان وقف‏على مالدى جمع من علماء الاسلام من مختلف المذاهب الاسلامية، وبهذا يكون الطوسي‏قد درس جملة من المذاهب والافكار على يد اصحابها وعلمائها، لذا نجده حينما يناقش‏آراء العلماء او يحاورهم يمتاز بالدقة والموضوعية وسعه الاطلاع، وقداستفاد ذلك كله من‏الاجواء العلمية المنفتحة والحرية الفكرية التي كانت‏سائدة في عصره، وخاصة ايام العهدالبويهي، فنهل من العلوم ماشاء الله على يد جمع كثير من علماء المسلمين. ويبدو ان مشايخ‏الطوسي في الرواية واساتذته في القراءة كثيرون، وقدبلغ عدد هؤلاء الشيوخ سبعة وثلاثين‏شخصا (37) ، كان قدذكرهم الشيخ الطوسي في مؤلفاته العديدة، الا ان الذين اكثر الرواية عنهم‏وتكرر ذكرهم في الفهرست وفي كل من كتابيه: التهذيب والاستبصار، كانوا خمسة، وهم:

1. الشيخ ابو عبدالله احمد بن عبدالواحد بن احمد البزاز المعروف بابن الحاشر، اوابن‏عبدون والمتوفى سنة 423ه .

وفيه يقول الطوسي: «سمعنا منه واجاز لنا بجميع مارواه‏» (38) .

2. الشيخ احمدبن محمدبن موسى المعروف بابن الصلت الاهوازي، المتوفى سنة‏409ه .

3. الشيخ ابوعبدالله الحسين‏بن عبيدالله‏بن الغضائري المتوفى سنة 411ه .

وقال فيه الطوسي: «سمعنا منه واجاز لنا بجميع مارواه‏» (39) .

4. الشيخ ابوالحسين علي‏بن احمدبن محمدبن ابي جيد القمي والمتوفى بعد سنة 408،حيث كان حيا عند وصول الشيخ الطوسي الى بغداد في ذلك التاريخ.

5. شيخ الامة ابوعبدالله محمدبن محمدبن النعمان المعروف بالشيخ المفيد والمتوفى‏سنة 413ه .

اما غير هؤلاء من شيوخه، فقدذكرهم، ولكن لابهذه الكثرة، وفيما يلي اسماء هؤلاءالشيوخ الذين روى عنهم والذين ذكرهم اهل التراجم والسير (40) مرتبة على حروف الهجاء:

1. ابوالحسين الصفار، او ابن الصفار.

2. ابوالحسين بن سوار المغربي، وهو من مشايخ الطوسي من علماء اهل السنة.

3. الشيخ ابوطالب‏بن غرور.

4. القاضي ابوالطيب الطبري الحويزي.

5. ابو عبدالله اخو سروة.

6. ابو عبدالله‏بن الفارسي.

7. ابو علي بن شاذان المتكلم، وهو من شيوخه من علماء اهل السنة.

8. ابو منصور السكري وهو من علماء الزيدية (41) .

9. احمد بن ابراهيم القزويني.

10. ابوالحسين وابوالعباس احمدبن علي النجاشي، صاحب كتاب الرجال المتولد سنة‏372ه والمتوفى سنة 450ه .

11. جعفربن الحسين‏بن حسكة القمي.

12. الشريف ابومحمد الحسن‏بن احمدبن القاسم‏بن محمدبن علي‏بن ابي طالب(ع)المحمدي نسبة الى محمدبن الحنفية بن الامام علي‏عليه السلام.

13. ابو علي الحسن‏بن محمدبن اسماعيل‏بن محمدبن اشناس المعروف، بابن الحمامي‏البزاز المولود سنة 359ه والمتوفى في الثالث من ذي‏القعدة سنة 439ه (42) .

14. ابو محمد الحسن‏بن محمدبن يحيى‏بن داود الفحام المعروف بابن الفحام، السرمن رائي - السامرائي - المتوفى سنة 408ه .

15. ابو الحسين حسنبش القمرئ.

16. ابو عبدالله الحسين‏بن ابراهيم القزويني.

17. ابو عبدالله الحسين‏بن ابراهيم‏بن علي القمي المعروف بابن الخياط.

18. الحسين‏بن ابي محمد هارون‏بن موسى التلعكبري.

19. ابو محمد عبدالحميدبن محمد المقرئ النيسابوري.

20. ابو عمرو عبدالواحدبن محمدبن عبدالله‏بن محمدبن مهدي‏بن خشنام المولود سنة‏318ه ، والمتوفى سنة 410ه ، وهو من مشايخ الطوسي من علماء السنة.

21. ابو الحسن على‏بن احمدبن عمربن حفص المقرئ المعروف بابن الحمامي المولودسنة 328ه والمتوفى سنة 417ه .

22. السيد المرتضى علم الهدى ابوالقاسم علي‏بن الحسين‏بن موسى‏بن محمدبن‏ابراهيم‏بن الامام موسى الكاظم‏عليه السلام المتوفى سنة 436ه ، وهو من اشهر اساتذته.

23. ابوالقاسم علي‏بن شبل‏بن اسد الوكيل المتوفى سنة 410ه .

24. القاضي ابوالقاسم علي التنوخي ابن القاضي ابي علي المحسن‏بن تميم القحطاني،وهو من مشايخ الطوسي من علماء اهل السنة، وكان قد ولد سنة 370ه ، وتوفي سنة‏447ه (43) .

25. ابوالحسين علي‏بن محمدبن عبدالله‏بن بشران المعروف بابن بشران المعدل، وهومن علماء اهل السنة.

26. محمدبن احمدبن ابي الفوارس الحافظ، وهو من علماء اهل السنة.

27. ابو زكريا محمدبن سليمان الحراني من اهل طوس.

28. محمدبن سنان وهو من مشايخ الطوسي من علماء اهل السنة.

29. ابو عبدالله محمدبن علي حموي البصري المتوفى سنة 413ه .

30. محمدبن علي‏بن خشيش‏بن نضربن جعفربن ابراهيم التميمي، وهو من مشايخ‏الطوسي من علماء اهل السنة، وقد روى عنه في اماليه اخبارا كثيرة.

31. ابوالحسن محمدبن محمدبن محمدبن مخلد البزاز المولود سنة 329ه والمتوفى‏سنة 419ه ، وهو من مشايخه من علماء اهل السنة (44) .

32. السيد ابوالفتح هلال‏بن محمدبن جعفر الحفار المولود سنة 322ه والمتوفى سنة‏414ه وهو من مشايخ الطوسي من علماء اهل السنة (45) .

وباضافة الخمسة الاوائل من شيوخه، والذين اكثر الرواية عنهم يبلغ عددهم سبعة‏وثلاثين شخصا، وقداكد هذا العدد السيد محمدصادق بحر العلوم، عندما ترجم للشيخ‏الطوسي في مقدمة كتبها لرجال الشيخ الطوسي، ولكتاب الامالي، بشي‏ء من التفصيل، واخرى مختصرة لكتاب الفهرست للشيخ نفسه، وبهذا يتفق مااورده السيد بحر العلوم مع‏مااورده المؤرخ الشهير آية الله آغا بزرك الطهراني، حينما كتب عن حياة الشيخ الطوسي‏رسالة قيمة، قدم بها لتفسير التبيان المطبوع في النجف الاشرف.

تلاميذ الشيخ الطوسي

ما ان استقل الشيخ الطوسي بزعامة المذهب الامامي عند وفاة الشريف المرتضى عام‏436 في بغداد حتى صارت داره في الكرخ ماوى الامة ومقصد الوفاد وقد انهال العلماءعلى دروسه، واجتمع تحت منبره جمع من التلاميذ بلغ عددهم اكثر من ثلثمائة مجتهد (46) ، ومن العامة مالايحصى كثرة (47) .

وقد اورد العلامة آية الله آغاز بزرك الطهراني في مقدمة التبيان، وكذلك السيدمحمدصادق بحر العلوم في مقدمة رجال الطوسي واماليه قائمة باسماء تلامذة الشيخ‏الطوسي بلغ عددهم فيها ستة وثلاثين شخصا، ويبدو ان هؤلاء الذين ذكرت اسماؤهم في‏كتب التراجم كانوا من المشاهير فعفوا، بينما خفيت اسماء غيرهم اما لقلة آثارهم، اولضياعها، او لانهم لم‏يتركوا اثرا اصلا.

وهنا نورد ماذكره علماء الرجال والمفهرسون من اسماء تلاميذ الشيخ الطوسي (48) حسب‏حروف الهجاء:

1. الشيخ الفقيه آدم‏بن يونس‏بن ابي المهاجر النسفي.

2. الشيخ المؤلف ابوبكر احمدبن الحسين‏بن احمد الخزاعي النيسابوري.

3. الشيخ ابوطالب اسحاق‏بن محمدبن الحسن‏بن الحسين‏بن محمدبن علي‏بن‏الحسين‏بن بابويه القمي.

4. الشيخ ابو ابراهيم اسماعيل شقيق اسحاق‏بن بابويه القمي المتوفى سنة 500ه .

5. الشيخ الثقة ابوالخير بركة‏بن محمدبن بركة الاسدي.

6. الشيخ الثقة المصنف ابوالصلاح تقي‏بن نجم‏الدين الحلبي.

7. السيد المحدث ابو ابراهيم جعفربن علي‏بن جعفر الحسيني.

8. الشيخ الامام المصنف ابو محمد شمس‏الاسلام الحسن‏بن الحسين‏بن بابويه القمي‏المعروف بحسكا، المتوفى سنة 512ه .

9. الشيخ الفقيه ابو محمد الحسن بن عبدالعزيزبن الحسن الجبهاني.

10. الشيخ ابو علي الحسن بن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي.

11. الشيخ الامام موفق‏الدين الفقيه الحسين‏بن الفتح الواعظ البكرآبادي الجرجاني.

12. الشيخ الامام محيي‏الدين ابو عبدالله الحسين‏بن مظفربن علي‏بن الحسين الحمداني‏نزيل قزوين.

13. السيد عمادالدين ابوالوضاح ذوالفقاربن محمدبن معبد الحسيني المروزي.

14. السيد الفقيه ابو محمد زيدبن علي‏بن الحسين الحسيني او الحسني.

15. السيد الفاضل زين‏بن الداعي الحسيني.

16. الشيخ الفقيه سعدالدين‏بن البراج.

17. الشيخ الفقيه ابوالحسن سليمان‏بن الحسن‏بن سليمان الصهرشتي.

18. الشيخ المحدث شهرآشوب السروي المازندراني، جد الشيخ محمدبن علي مؤلف‏معالم العلماء والمناقب.

19. الشيخ الفقيه صاعدبن ربيعة‏بن ابي غانم.

20. الشيخ ابوالوفاء عبدالجباربن عبدالله‏بن علي المقرئ الرازي المعروف بالمفيدالمتوفى سنة 506ه .

21. الشيخ ابو عبدالله عبدالرحمن‏بن احمد الحسيني الخزاعي النيسابوري المعروف‏بالمفيد ايضا.

22. الشيخ الفقيه موفق‏الدين ابوالقاسم عبيدالله‏بن الحسن‏بن الحسين‏بن بابويه.

23. الشيخ ابوالقاسم سعدالدين عزالمؤمنين عبدالعزيزبن نحريربن عبدالعزيزالمعروف بابن البراج قاضي طرابلس المتوفى سنة 418ه .

24. الشيخ الفقيه علي‏بن عبدالصمد التميمي السبزواري.

25. الامير الفقيه غازي‏بن احمدبن ابي منصور الساماني.

26. الشيخ الامام جمال‏الدين محمدبن ابي القاسم الطبري الآملي.

27. الشيخ الامين ابو عبدالله محمدبن احمدبن شهريار الخازن لمشهد الامام علي‏عليه السلام‏وهو صهر الشيخ الطوسي على احدى بناته (49) .

28. الشيخ محمدبن الحسن‏بن علي الفتال صاحب كتاب (روضة الواعظين) المتوفى سنة‏508.

29. الشيخ الفقيه ابوالصلت محمدبن عبدالقادربن محمد.

30. الشيخ المؤلف الفقيه ابوالفتح محمدبن علي الكراچكي.

31. الشيخ ابو جعفر محمدبن علي‏بن الحسن الحلبي.

32. الشيخ الفقيه ابو عبدالله محمدبن هبة‏الله الطرابلسي.

33. السيد صدر الاشراف المرتضى ابوالحسن المطهربن ابي القاسم علي‏بن ابي الفضل‏محمد الحسيني الديباجي.

34. السيد الفقيه المنتهى‏بن ابي زيدبن كيابكي الحسيني الجرجاني.

35. العالم‏الفاضل الفقيه الوزير ذوالمعالي زين‏الكفاة ابوسعيد منصوربن الحسين الآبي.

36. السيد الثقة الفقيه المحدث ابوابراهيم ناصربن الرضابن محمدبن عبدالله العلوي‏الحسيني.

ثقافة الشيخ الطوسي

ابتدا الشيخ الطوسي حياته العلمية في طوس، حيث كانت هذه المدينة احدى مراكزالعلم المهمة في خراسان، ذلك الاقليم الواسع الذي انجب الكثير من العلماء والادباءوالمفكرين، وبها درس الطوسي علوم اللغة والادب والفقه واصوله والحديث وعلم الكلام، والتي هي مقدمات اساسية لمن اراد ان يواصل دراسته العلمية العالية في الجامعات‏الاسلامية ذات النمط الحوزوي.

وعندما اتقن الشيخ الطوسي تلك المقدمات شد الرحال الى بغداد، وذلك عام 408ه ،حيث كانت هذه المدينة نقطة جذب لكل طامع في الاستزادة من المعارف والعلوم‏الاسلامية.

وعندما نزل الشيخ الطوسي بغداد كانت الزعامة للمذهب الجعفري قدآلت للشيخ‏محمدبن محمدبن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد وبابن المعلم،وقدتتلمذ شيخنا الطوسي على يد الشيخ المفيد، وبقي على اتصال به حتى وفاته سنة‏413ه (50) .

ولاجل الوقوف على الحالة الثقافية لمفسرنا لابد من معرفة احوال اساتيذه ومكانتهم‏العلمية وسعة اطلاعهم التي اغترف منها، فكونت فيما بعد شخصيته الثقافية والفكرية:

فاستاذه الاول في بغداد الشيخ المفيد الذي كان موضع اعجاب من ترجم له من الكتاب‏والمؤرخين.

حيث‏يقول ابن كثير فيه:

محمدبن محمدبن نعمان ابو عبدالله المعروف بابن المعلم شيخ الامامية والمصنف لهم‏والمحامي عن حوزتهم، كانت ملوك الاطراف تعتقد به لكثرة الميل للشيعة في ذلك‏الزمان، وكان يحضر مجلسه خلق عظيم من العلماء من جميع الطوائف والملل (51) .

واما ابن العماد الحنبلي، فكان يصفه بمايلي:

عالم الشيعة وامام الرافضة ولسان الامامية، رئيس الكلام والفقه والجدل، صاحب‏التصانيف الكثيرة (52) .

وينعته ابن حجر العسقلاني بانه كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، تخرج منه‏جماعة، وبرع في المقالة الامامية حتى كان يقال: «له على كل امام منة‏» (53) .

اما الذهبي فقد امتدحه بقوله: «كان ذاجلالة عظيمة وكان خاشعا متعبدا متالها» (54) .

وقدترجم له احد معاصريه وهو ابن النديم فقال:

ابن المعلم ابو عبدالله في عصرنا انتهت اليه رئاسة متكلمي الشيعة، مقدم في صناعة‏الكلام على مذهب اصحابه، دقيق الفطنة ماضي الخاطر، شاهدته فرايته بارعا (55) .

وذكره ابوحيان التوحيدي فقال: «كان ابن المعلم حسن اللسان والجدل، صبورا على‏الخصم ضنين السر جميل العلانية‏» (56) .

وذكره ايضا اليافعي فقال:

كان يناظر اهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، وكان كثير الصدقات‏عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم، حسن الملبس، وكان شيخا ربعة نحيفا اسمر،عاش ستا وسبعين سنة، وله اكثر من مائتي مصنف، وكان يوم وفاته مشهورا، وشيعته‏ثمانون الفا (57) .

ويقول ابن الجوزي فيه:

كان لابن المعلم مجلس نظر بداره بدرب رياح يحضره كافة العلماء، وكانت له منزلة‏عند امراء الاطراف، يميلهم الى مذهبه (58) .

اما شيخنا الطوسي فقد ترجم لاستاذه الشيخ المفيد بما نصه:

انتهت اليه رئاسة الامامية في وقته، وكان مقدما في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهامتقدما فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنف‏كبار وصغار، وفهرست كتبه معروف، وتوفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 413ه ، وكان يوم وفاته يوما لم‏ير اعظم منه من كثرة الناس الذين حضروا للصلاة عليه، وكثرة‏البكاء من المخالف والموافق (59) .

ثم عد الشيخ الطوسي بعض كتبه، وذكر قراءتها عليه وسماعها عنه.

وقدتتلمذ شيخنا الطوسي على يد استاذه المفيد لمدة خمس سنوات، ابتداها منذ اول‏نزوله بغداد عام 408ه ، ولم‏ينقطع عنه حتى وفاته عام 413ه ، وكان خلال هذه الفترة قددرس الاصول والكلام (60) ، كما وانه شرع بالتاليف منذ ذلك الوقت المبكر، حيث‏شرح كتاب‏استاذه المفيد، والمسمى بكتاب المقنعة، وقدسمى كتابه ب تهذيب الاحكام والذي ضمنه‏الادلة الفقهية والاحاديث، ورد الشبه المثارة حول العقيدة والاحاديث المروية عن ائمة اهل‏البيت‏عليهم السلام، وقدظهر تاثر الشيخ الطوسي باستاذه المفيد واضحا في هذا الكتاب الذي اصبح‏فيما بعد احد الاصول الاربعة التي يرجع اليها المجتهدون من الامامية عند استنباطهم‏للاحكام الشرعية.

ومعلوم ان الشيخ الطوسي كان قداستفاد كثيرا من علوم استاذه المفيد، خاصة اذا علمناان مجلسه كان يحضره جماعة من العلماء من مختلف المذاهب الاسلامية (61) .

ومن الطبيعي ان الاحتكاك بمثل هؤلاء العلماء من شانه ان يمنح الشيخ الطوسي فرصة‏اكبر في الاستزادة مما عند الآخرين، ويوفر له الكثير من المجالات في معرفة افكارهم‏وآرائهم ومذاهبهم، خاصة وان تلك الفترة كانت من اخصب الفترات التاريخية التي مرت بهاالحياة الفكرية بسبب توفر الحرية واستتباب الامن والهدوء ابانها مما طبع شخصية مفسرناالثقافية والعلمية بطابع الشمول والعمق والموسوعية.

وبعد وفاة الشيخ المفيد انتهت الزعامة الفكرية للشيعة الامامية الى الشريف المرتضى(335 - 436ه )، والذي كان في وقتها يتولى نقابة الطالبيين (62) وامارة الحج وديوان‏المظالم (63) ، ويشغل منصب قاضي القضاة (64) ، كما و انه يتصل من حيث النسب بالامام علي‏بن‏ابي‏طالب‏عليه السلام، ومع هذا كله فهو يمتلك من الثقافة والمعارف والعلوم ماتجعله مؤهلا; لان‏يحظى بمكانة خاصة على الصعيدين الشعبي والرسمي، اذ انه كان قدحار على العلوم مالم‏يدانه فيه احد في زمانه (65) .

«وكان اكثر اهل زمانه ادباء وفضلاء (66) ».

«كما وانه اخذ يجري على تلامذته رزقا كل بنسبته (67) ». ويمكننا هنا ان تدرك مدى‏فضل مفسرنا ومقدار علمه، اذا ماعرفنا ان راتبه كان اثني‏عشر دينارا شهريا، بينما كان‏راتب القاضي ابن‏البراج عبدالعزيزبن نحرير ثمانية دنانير شهريا (68) .

«وكان للمرتضى مجلس يناظر عنده في كل المذاهب (69) »، مما وفر لشيخنا الطوسي‏فرصة اخرى للاستفادة في هذا المجال، حيث الاجواء الفكرية المشبعة بالابداع والمهارة‏في فن المخاطبة والحوار وطرح الراي والدفاع عنه.

وفي ايام تلمذة الشيخ الطوسي على يد الشريف المرتضى شرع مفسرنا في تلخيص‏كتاب الشافي لاستاذه المرتضى، ووضع له عنوانا تلخيص الشافي، وقدبسط فيه المسائل‏بغية تقريبها لاذهان المتعلمين، وذلك نظرا لاهمية الكتاب الذي نقض به الشريف المرتضى‏كتاب المغني لعبد الجباربن احمد الهمداني احد شيوخ المعتزلة المتوفى سنة 415ه (70) .

وقد انهى الشيخ الطوسي تلخيص الشافي في رجب سنة اثنتين وثلاثين واربعمائة (71) »ويبدو ان الشيخ الطوسي كان قدنشط في مجال التاليف ابان حياة استاذه المرتضى، اذ كتب‏مجموعة من اهم مؤلفاته، منها كتاب الرجال الذي بحث فيه عن احوال الرجال الذين روواعن الرسول الاكرم(ص)، او عن احد الائمة من اهل البيت‏عليه السلام، او الذين رووا عنهم‏بالواسطة، وعند ترجمته لاستاذه المرتضى نجده يقول: «ادام الله ايامه، او عبارة مد الله في‏عمره (72) »، مما يؤكد ان الشريف المرتضى لازال حيا وقت كتابة الرجال، والا لترحم عليه‏كعادته حينما يمر على ذكر المتوفين من الرجال اثناء ترجمته لحياتهم، وفي ذلك وجدناه‏يقول عندما يترجم لاستاذه الشيخ المفيد:

«والشيخ ابو عبدالله محمدبن محمدبن النعمان المفيد، رضي الله عنهم جميعا» (73) . كماكتب الشيخ الطوسي كتابا آخر بعنوان الفهرست في حياة الشريف المرتضى، حيث كتب فيه:«واخبرنا به الاجل المرتضى علي‏بن الحسين الموسوي (ادام الله تاييده) (74) ».

وكان الشريف المرتضى قدعنى بتلميذه الطوسي، وبالغ في توجيهه اكثر من سائرتلامذته; لماشاهده فيه من اللياقة التامة، وبقي الطوسي ملازما لاستاذه المرتضى ثلاثة‏وعشرين عاما من سنة 413ه ، حيث توفي الشيخ المفيد، والى عام 436ه ، حيث وفاة‏الشريف المرتضى، وقدافاد الشيخ الطوسي من هذه الصحبة والتلمذة شيئا كثيرا، خاصة‏وان الشريف المرتضى كان يعيش اجواء الانفتاح الفكري بين مختلف المذاهب الاسلامية،يناظر العلماء، ويرد الشبهات، ويدافع عن مذهبه بكل مااتي من علم ومعرفة، وقدكانت‏للشريف المرتضى مكتبة عامرة يقول عنها ابوالقاسم التنوخي: «حصرنا كتبه فوجدناثمانين الف مجلد من مصنفاته حتى قيل: «انها قدقومت‏بثلاثين‏الف دينار، بعد ان اخذ منها الوزراء والرؤساء شطرا عظيما (76) »، ومعلوم ان الشريف المرتضى‏كان شاعرا مجيدا، له ديوان شعر في ثلاثة اجزاء، طبع بمصر سنة 1958م، وقد حققه ورتب‏قوافيه وشرح معانيه المحامي رشيد الصفار، وترجم اعيانه الدكتور مصطفى جواد، وقدم له‏الشيخ محمدرضا الشبيبي.

ان كل تلك المؤهلات التي اتصف بها الشريف المرتضى والجو الفكري السائد في ذلك‏العصر وتوفر النادر من الكتب والمخطوطات اثرت تاثيرا مباشرا وكبيرا على شخصية‏مفسرنا، ومنحته القدرة في ان يبلغ مرحلة النضوج العلمي، واهلته لان يكون فيما بعد شيخاللطائفة وعلما من اعلام التشيع.

ولعل معارضة الشيخ الطوسي لآراء استاذه الشريف المرتضى في بعض المسائل مثل‏حجية خبر الواحد والاجماع تدل وبشكل واضح على مدى تعمق الشيخ الطوسي وطول‏باعه في علم الاصول، وكذلك تؤكد مدى استيعاب اجواء الحرية الفكرية آنذاك لمثل هذه‏الخلافات التي قدتحدث بين التلميذ واستاذه دون ان تثير شيئا من عدم الرضا لدى اي من‏المتعارضين، وفي هذا المجال يقول الشريف المرتضى:

ابطلنا في الشريعة العمل باخبار الاحاد; لانها لاتوجب علما ولاعملا، واوجبنا ان‏يكون العمل تابعا للعلم; لان خبر الواحد اذا كان عدلا فغاية مايقتضيه الظن لصدقه، ومن‏ظننت صدقه يجوز ان يكون كاذبا، وان ظننت‏به الصدق، فان الظن لايمنع من التجويز،فعاد الامر في العمل باخبار الآحاد الى انه اقدام على مالانامن من كونه فسادا (77) ;

كما واكد الاجماع في ذلك بقوله «ان اصحابنا كلهم سلفهم وخلفهم ومتقدمهم‏ومتاخرهم يمنعون من العمل باخبار الآحاد (78) ».

وقدعارضه الشيخ الطوسي على ذلك تماما فقال بحجية خبر الآحاد، واكد الاجماع‏ايضا بقوله:

اما مااخترته من المذهب فهو ان خبر الواحد اذا كان واردا عن اصحابنا القائلين‏بالامامة، وكان ذلك مرويا عن النبي‏صلى الله عليه وآله او عن احد الائمة‏عليه السلام، وكان ممن لايطعن في‏روايته، ويكون سديدا في نقله، ولم‏يكن هناك قرينة تدل على صحة ماتضمنه الخبر;لانه ان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة، وكان ذلك موجباللعلم، ونحن نذكر القرائن فيما بعد جاز العمل بها والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة‏المحقة، فاني وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التى رووها في تصانيفهم‏ودونوها في اصولهم، لايتناكرون ذلك ولايتدافعونه، حتى ان واحدا منهم اذا افتى‏بشي‏ء لايعرفونه سالوه من اين قلت هذا؟ فاذا احالهم على كتاب معروف او اصل‏مشهور، وكان راويه ثقة لاينكر حديثه سكتوا، او سلموا الامر في ذلك، وقبلوا قوله،وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبي‏صلى الله عليه وآله ومن بعده من الائمة‏عليه السلام: ومن زمن الصادق‏جعفربن محمدعليه السلام الذي انتشر العلم عنه، وكثرت الرواية من جهته، فلولا ان العمل بهذه‏الاخبار كان جائزا لمااجمعوا على ذلك ولانكروه; لان اجماعهم فيه معصوم لايجوزعليه الغلط والسهو (79) .

ومثل هذه الاجواء العلمية الحرة التي تبيح للتلميذ ان يعارض استاذه مازال يملك في‏معارضته دليلا، هي التي منحت الشيخ الطوسي قدرا كافيا من الاقدام لان يضم الى حلقات‏الدرس التي كان يشرف عليها بعض اعلام اهل السنة من امثال: هلال‏بن محمدجعفر الحفارالمتوفى سنة 414ه (80) .

ومحمدبن محمدبن محمدبن مخلد المتوفى سنة 419ه (81) .

واحمدبن عبدون المعروف بابن الحاشر المتوفى سنة 432ه (82) .

ومحمدبن احمدبن شاذان المتوفى سنة 425ه (83) .

وكان لهذه الحلقات اكبر الاثر في تفهم الشيخ الطوسي للمذاهب الاسلامية المختلفة،والاحاطة بها عن قرب، وعلى السنة ائمتها واعلامها المشهورين.

والمتتبع لحياة الشيخ الطوسي سواء في ايام دراسته الاولى بمدينة طوس، او اثناءوجوده في بغداد يستطيع القول بان عوامل عديدة استطاعت ان تصقل ثقافة الشيخ‏الطوسي، وتمنحه هذه المكانة العلمية الكبيرة والمتميزة التي يمكننا اجمالها في مايلي:

1. المؤهلات الذاتية التي يمتلكها الشيخ الطوسي من ذكاء وفطنة وسرعة حافظة،ولعل نظرة واحدة في كتابه الامالي توضح للقارى‏ء ماحظي به الشيخ من موهبة عقلية‏عالية، فهو يروي خطبا او رسائل كاملة او احاديث مطولة على ظهر قلب مع ذكر السندواسماء الرواة وآبائهم واجدادهم والقابهم حتى يوصلهم الى مصدر الحديث او الخطبة اوالرسالة سواء كانت عن النبي‏صلى الله عليه وآله او عن احد الائمة‏عليهم السلام، مثال ذلك قوله: «وعنه‏» عن‏شيخه‏رضى الله عنه‏قال: حدثني ابوعبدالله محمدبن محمدبن النعمان‏رحمه الله قال:

اخبرني ابوالحسن علي‏بن محمدبن الحسن الكاتب، قال: اخبرني الحسن‏بن علي‏الزعفراني، قال: اخبرني ابواسحاق ابراهيم‏بن محمد الثقفي، قال: حدثني عبدالله‏بن‏محمدبن عثمان، قال: حدثنا علي‏بن محمدبن ابي سعيد عن فضيل‏بن جعد عن‏ابي‏اسحاق الهمداني قال: لما ولى اميرالمؤمنين علي‏بن ابي‏طالب(صلوات الله عليه)محمدبن ابي‏بكر مصر واعمالها كتب له كتابا، وامره ان يقراه على اهل مصر، وليعمل به،اوصاه به فيه، وكان الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله اميرالمؤمنين علي‏بن‏ابي‏طالب الى اهل مصر ومحمدبن ابي‏بكر» (84) .

ثم يستمر في قراءة رسالة مطولة استغرقت اكثر من ست صفحات من كتاب الامالي،الامر الذي يؤكد قوة الحافظة لديه، وتمكنه من الاستيعاب، وقدرته على التلقي.

2. توفر للشيخ الطوسي من الاساتذة مالم يتوفر مثلهم لغيره من الطلبة كالشيخ المفيدوالشريف المرتضى وآخرين كثيرين، فنهل من علومهم ماشاءالله.

3. توفرت للشيخ الطوسي مكتبات ودور علم زاخرة بجميع المصنفات النفيسة، وفي‏مختلف الفنون والعلوم والآداب ما اهله لان يغترف من محتوياتها وكتبها ماوهبه ثقافة‏موسوعية رائعة، ومن اهم تلك المكتبات مكتبة الوزير البويهي سابوربن اردشير، والتي‏كانت تضم اكثر من عشرة الآف مجلد (85) . والمكتبة الاخرى هي مكتبة الشريف الرضي،والتي كانت تمنح الطلاب مايحتاجون اليه من وسائل مادية، ثم مكتبة الشريف المرتضى،والتي كان فيها ثمانون الف مجلد (86) .

4. التقارب بين علماء المذاهب الاسلامية المختلفة، وماسبب ذلك من انفتاح فكري‏بين مختلف الطوائف الاسلامية يظهر جليا من خلال المناظرات والمناقشات وشيوع‏الجدل والحوار في المسائل المختلف عليها، مما يشجع على التعمق والاستقصاء لاثراءالموضوعات واشباعها بحثا وتفصيلا «وكان لدى الشيخ المفيد مجلس يحضره خلق كثيرمن العلماء من سائر الطوائف‏» (87) ، «وكان للشريف المرتضى ايضا مجلس يناظر عنده في كل‏المذاهب‏» (88) .

5. جاء اختيار بغداد من قبل الشيخ الطوسي لان تكون مكانا لدراسته موفقا جدا، حيث‏كانت هذه المدينة في وقتها ملتقى لرجال الفكر والعلم والادب وعاصمة للدولة ومقراللخلافة ومركزا للحضارة الاسلامية العظيمة (89) ، وكان التنافس فيها بين الدارسين على‏اشده، لذلك نبغ فيها الكثيرون من الفقهاء، بالاضافة الى ذلك فقد كانت التسهيلات للطلبة‏الوافدين الى بغداد مبذولة، يث‏يجد الطلاب المقام والماوى (90) .

6. كان باب الاجتهاد مفتوحا على مصراعيه بسبب الحرية واتساع الفكر ومرونته،الامر الذي حفز الشيخ الطوسي لان يكمل الاشواط الدراسية المطلوبة، وفعلا فقد تم له مااراد بعد جهد جهيد ومثابرة عالية، حتى صار «شيخ الطائفة وعمدتها» (91) ، «ولقب بالامام‏الاعظم‏» (92) .

مؤلفات الشيخ الطوسي

استطاع الشيخ الطوسي - بما يملك من ثقافة وموهبة وسعة اطلاع - ان يثري المكتبة‏الاسلامية بمؤلفات هي غاية في الاهمية والجودة، حيث استقى مادة مؤلفاته من تصانيف‏القدماء التي تتميز باهمية خاصة بسبب قربها من عصر الرسالة، والتحامها بفترة وجودالائمة من اهل‏البيت‏عليهم السلام، وتاثرها باجواء العلم والمعرفة التي كانوا يشيعونها في الاوساط‏الاسلامية آنذاك، ومن هنا اتسمت مؤلفات الشيخ الطوسي بميزات خاصة لاتوجد فيماعداها من مؤلفات السلف ومن تلك المميزات:

1. اصبحت‏بمثابة المنبع الاول والمصدر الوحيد لمعظم مؤلفي القرون الوسطى، حيث‏استقوا منها مادتهم وكتبوا كتبهم.

2. حوت مؤلفات الشيخ الطوسي خلاصة الكتب المذهبية القديمة، حيث كانت مكتبة‏سابور في الكرخ ومكتبات بغداد الاخرى تحتضن الكتب القديمة الصحيحة التي هي‏بخطوط مؤلفيها واقلامهم، وقدكانت استفادة الشيخ الطوسي من تلك الكتب والمكتبات‏كبيرة جدا، اذ لم‏يدع كتابا فيها الا وعمد الى مراجعته واستخراج ما فيه من منفعة، وبهذايكون الطوسي قد اسدى للعلم خدمة جلى من خلال انتقائه لافضل ما حوى عصره من‏علوم، ومن ثم عرضها بلغة ميسرة وفي كتب مبوبة وباسلوب متين، فحفظ بذلك ارثا ثقافياوتراثا حضاريا نادرا، خاصة بعد ان تحولت مكتبة سابور في الكرخ الى طعمة للنار ابان‏العهد السلجوقي.

3. كما وتميزت مؤلفات الشيخ الطوسي بالتنوع والكثرة، حيث‏بلغ تعداد ما توصل اليه‏الباحثون من كتبه(47) مؤلفا في مختلف الفنون والعلوم والآداب، اذ لم‏يدع بابا من العلم الاوطرقه، فقد كتب في الفقه والاصول وعلم الكلام والتفسير وعلم الحديث والرجال‏والادعية والعبادات وغيرها.

وفيما يلي قائمة باسماء الكتب التي الفها الشيخ الطوسي مرتبة حسب حروف الهجاء:

1. الابواب ويسمى كتاب الرجال، وهو في تراجم الرجال الذين رووا عن النبي‏صلى الله عليه وآله‏والائمة‏عليهم السلام، ومن تاخر عنهم (93) وهو احد الاصول المعتمدة عند علماء الامامية.

2. اختيار الرجال وهو كتاب الرجال المتداول المشهور برجال الكشي المطبوع سنة‏1317ه ، الذي ذكر في اوله الاحاديث السبعة في فضل الرواة، واول السبعة حديث‏ابي‏عبدالله‏عليه السلام: «اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا»، وهو مختار من رجال‏الكشي الذي اسمه معرفة الناقلين (94) .

3. الاستبصار فيما اختلف من الاخبار، وهو احد الكتب الاربعة والمجاميع الحديثية‏التي عليها مدار استنباط الاحكام الشرعية عند الفقهاء الاثني عشرية، منذ عصر المؤلف‏حتى اليوم ويحتوي على خمسة آلاف وخمسمائة واحدعشر (5511) حديثا، وقد طبع في‏الهند سنة 1307ه ، وفي ايران سنة 1317ه ، ثم في النجف الاشرف سنة 1375ه (95) .

4. اصول العقائد (96) وهو كتاب في الاصول كبير خرج منه الكلام في التوحيد والعدل،

5. الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد وهو فيما يجب على العباد من اصول العقائدوالعبادات الشرعية على وجه الاختصار (97) .

6. الامالي في الحديث (98) ويقال له: المجالس، لانه املاه مرتبا في عدة مجالس وقد طبع‏لاول مرة في طهران عام 1313ه .

7. انس الوحيد مجموعة للشيخ الطوسي، عده في فهرسه من تصانيفه (99) .

8. الايجاز في الفرائض، وهو كتاب مختصر، وقد احال فيه التفصيل الى كتابه النهاية،وقدشرحه قطب‏الدين الراوندي فسماه الانجاز (100) .

9. التبيان في تفسير القرآن (101) ، يقع في عشرة مجلدات، وطبع لمرات عديدة في طهران‏والنجف.

10. تلخيص الشافى في الامامة (102) وهو اختصار لكتاب الشافي الذي كتبه علم الهدى‏السيد المرتضى‏رحمه الله، وقد طبع في ايران سنة 1311ه .

11. تمهيد الاصول، وهو شرح كتاب جمل العلم والعمل (103) لاستاذه الشريف المرتضى،ولم‏يخرج منه الا شرح ما يتعلق بالاصول.

12. تهذيب الاحكام، في الحديث (104) وهو احد الكتب الاربعة والمجامع القديمة المعول‏عليها عند الامامية من تاريخ تاليفها وحتى اليوم، وقد استخرجه الشيخ الطوسي من‏الاصول المعتمدة للقدماء، وللتهذيب شروح وحواشى عديدة، ذكر منها الشيخ الطهراني ستة‏عشر شرحا وعشرين حاشية مع ذكر اسماء مؤلفيها.

13. الجمل والعقود، في العبادات (105) : وقد الفه بطلب من القاضي الشيخ عبدالعزيزبن‏نحريربن عبدالعزيزبن البراج قاضي طرابلس (ت 481ه ).

14. الخلاف، في الاحكام (106) ويقال له: مسائل الخلاف وقد ناظر فيه المخالفين جميعا،وذكر آراء كل مذهب ثم بين الصحيح منها.

15. رياضة العقول، وقدشرح فيه المقدمة في المدخل الى علم الكلام (107) .

16. شرح الشرح في الاصول (108) وقد صنفه في آخر ايام حياته، وفيه يقول تلميذه‏الحسن‏بن مهدي السليقي: «كتاب مبسوط، املى علينا منه شيئا صالحا، ومات‏رحمه الله ولم‏يتمه‏».

17. العدة في الاصول (109) وقدقسمه الى قسمين: الاول في اصول الدين والثاني في اصول‏الفقه، وهو ابسط ماالف في هذا الفن عند القدماء.

18. الغيبة في غيبة الامام الحجة المهدي المنتظرعليه السلام (110) وقدكتبه الطوسي في سنة سبع‏واربعين واربعمائة.

19. الفرق بين النبي والامام، في علم الكلام، وقدذكره الشيخ الطوسي في الفهرست.

20. الفهرست في تراجم اصحاب الكتب والاصول (111) ، وقد شرحه العلامة المحقق الشيخ‏سليمان الماحوزي (ت 1121ه ) وسماه معراج الكمال الى معرفة الرجال.

21. مالايسع المكلف الاخلال به، في علم الكلام (112) ، وقدذكره الشيخ الطوسي في‏الفهرست.

22. مايعلل ومالايعلل، في علم الكلام (113) ، وقدذكره الشيخ الطوسي في الفهرست.

23. المبسوط، في الفقه ويشتمل على نحو سبعين بابا من ابواب الفقه، وقدطبع في ايران‏سنة 1270ه (114) .

24. مختصر اخبار المختاربن ابي عبيدة الثقي ويعبر عنه باخبار المختار (115) .

25. مختصر المصباح في الادعية والعبادات، ويقال له: المصباح الصغير، وقداختصر فيه‏كتابه الكبير مصباح المتهجد (116) .

26. مختصر في عمل يوم وليلة: في العبادات، وقدذكره الشيخ الطوسي في الفهرست،وقداقتصر فيه على الفرائض والنوافل وبعض التعقيبات في غاية الاختصار.

27. مسالة في الاحوال، وقدذكرها الشيخ الطوسي في الفهرست ووصفها بانها: «مليحة‏».

28. مسالة في تحريم الفقاع، وقدذكرها الشيخ الطوسي في الفهرست.

29. مسالة في العمل بخبر الواحد وبيان حجيته (117) .

30. مسائل في وجوب الجزية على اليهود والمنتمين الى الجبابرة.

31. مسائل ابن البراج، وقدذكرها في الفهرست.

32. المسائل الالياسية، وهي مائة مسالة في فنون مختلفة (118) ، وقدذكرها الطوسي في‏الفهرست.

33. المسائل الحنبلائية في الفقة، وهي اربع وعشرون مسالة (119) ، وقدذكرها الطوسي في‏الفهرست.

34. المسائل الحائرية، وهي نحو من ثلثمائة مسالة في الفقه (120) .

35. المسائل الحلبية في الفقه (121) .

36. المسائل الدمشقية، وهي اثنتي عشرة مسالة، في تفسير القرآن (122) وقدذكرها في‏الفهرست.

37. المسائل الرازية وهي خمس‏عشرة مسالة في الوعيد (123) وردت من الري الى استاذه‏السيد المرتضى فاجاب عنها، واجاب عنها الشيخ الطوسي ايضا، وذكرها في الفهرست.

38. المسائل الرجبية في التفسير، وقدذكرها الطوسي في الفهرست، وقال بانها لم‏يصنف‏مثلها.

39. المسائل القمية (124) .

40. مصباح المتهجد من اعمال السنة والادعية والزيارات (125) وقدطبع في طهران سنة‏1338ه .

41. المفصح في الامامة: وتوجد منه نسخة «مكتبة راجه فيض‏آباد» في الهند (126) .

42. مقتل الحسين‏عليه السلام وقدذكره الطوسي في الفهرست.

43. مقدمة في المدخل الى علم الكلام، وقدذكرها الشيخ الطوسي في الفهرست ووصفهافيه بقوله: لم‏يعمل مثلها (127) .

44. مناسك الحج في مجرد العمل، وقدذكرها الطوسي في الفهرست.

45. النقض على ابن شاذان في مسالة الغار، وقدذكره الشيخ الطوسي في الفهرست.

46. النهاية في مجرد الفقه والفتوى (128) .

47. هداية المسترشد وبصيرة المتعبد في الادعية والعبادات، وقدذكره الطوسي في‏الفهرست.

هذا وقدعثرنا على نموذج بخط الشيخ الطوسي، فصورناه كما في نموذج رقم (1) وهومن كتاب الطهارة من التهذيب والموجود حاليا في مكتبة المرحوم آية الله العلامة‏محمدحسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان.

كما وعثرنا ايضا على نموذج آخر بخط الشيخ الطوسي كتبه في الصفحة الاولى من‏الجزء الثالث من كتاب التبيان، واصله مخطوط في المكتبة العامة لآية الله العظمى السيدشهاب‏الدين النجفي المرعشي في مدينة قم بايران، وكما هو مبين في النموذج رقم (2).

الشيخ الطوسي وزعامته الفكرية للامامية

بعد وفاة الشريف المرتضى عام 436ه استقل الشيخ الطوسي بالزعامة الدينية‏للمذهب الشيعي الامامي، واصبح علما من اعلام الامامية وزعيما لهم، وكانت داره في‏الكرخ ببغداد ماوى الامة ومقصد الوفاد يؤمونها لحل مشاكلهم وايضاح مسائلهم (129) ; ولقب‏بالامام، وهو اسمى الالقاب العلمية عند الشيعة الامامية، وقدتقاطر العلماء للحضور تحت‏منبره حتى بلغ عدد تلاميذه اكثر من ثلاثمائة من مختلف المذاهب الاسلامية (130) .

وقدادرك العباسيون مكانة الشيخ الطوسي العلمية فقام الخليفة العباسي القائم بامر الله (131) (422 - 467ه ) بمنح شيخنا كرسي الكلام، وكان هذا الكرسي لايعطى الا لرئيس علماءوقته (132) وقدحصل عليه الشيخ الطوسي رغم الاختلاف المذهبي القائم بينه وبين الخليفة‏العباسي، ممايؤكد علو كعب الشيخ في بغداد، وعدم وجود من يصلح له غيره، ولا حتى من‏يدانيه في العلم والمعرفة، الامر الذي اضطر معه القائم بامر الله ان يمنح الكرسي العلمي‏لواحد من علماء الشيعة وفقهائها، ولم‏يرق لحساد الطوسي ومخالفيه ان يتربع على كرسي‏الكلام، فاثار ذلك حسدهم فوشوا به الى الخليفة بتهمة شتم الصحابة وسبهم في كتابه‏المصباح،فى زيارة عاشوراء حيث‏يقول فيها:

«اللهم خص انت اول ظالم باللعن مني وابدا به اولا ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع والعن‏يزيد خامسا» (133) .

فارسل عليه الخليفة واستجوبه عنها، فنفى عن نفسه التهمة قائلا:

المراد باول ظالم قابيل قاتل هابيل، وهو اول من بدا بالقتل وسنه، والمراد بالثاني‏عاقرناقة صالح، واسمه قيدار بن سالف، والثالث قاتل يحيى‏بن زكريا، وبالرابع‏عبدالرحمن‏بن ملجم قاتل علي‏عليه السلام (134) .

فاقتنع الخليفة بالجواب واكرم الشيخ الطوسي، وانتقم ممن سعى به (135) .

ولم‏يكن شيخنا الطوسي اول من اتهم من علماء الامامية بشتم الصحابة وسبهم، بل هي‏ورقة طالما لعب بها اعداء التشيع لخلق الفتن واثارة المشاكل والمتاعب لعلماء الشيعة‏وفقهائها، وظلت مثل هذه الاساليب تستغل وتفتعل حتى بلغت المحنة اشدها عندما دخل‏السلاجقة بغداد عام 447ه ، فاستفحلت المشاكل، وثارت القلاقل، وحدثت الفتن بين‏جهلة الشيعة والسنة (136) ، وامتدت لتصبح دار الطوسي ومكتبته ضحية لها، حيث كبست داره،ونهبت واحرقت، كما واحرقت كتبه وآثاره ودفاتره مرات عديدة وبمحضر من الناس، (137) واحرق كرسي التدريس الذي منحه الخليفة القائم له (138) .

وقدكتب الشيخ الطوسي اكثر مؤلفاته اثناء زعامته للمذهب الامامي، حيث كتب العدة‏في اصول الفقه، وقدتعرض فيه لآراء من سبقه في هذا العلم، وقفز به الى مرحلة متطورة‏من مراحل التكامل والنضج دون ان يقلد في ذلك احدا، وانما كان مجتهدا مبدعا في‏كل ماطرحه من المسائل في هذا الكتاب، اذا لم‏يصنف مثله قبله في غاية البسط والتحقيق (139) .

واقر فيه حجية خبر الآحاد بعد ان ابطل العمل بها استاذه الشريف المرتضى، مما يدل‏على ثقة الشيخ الطوسي بنفسه واصالة تفكيره، ثم الف بعد العدة كتابه الآخر والموسوم‏بالمقدمة الى علم الكلام حيث فرغ منه في رجب سنة اربع واربعين واربعمائة في مدينة‏السلام (140) .

ثم الف الشيخ الطوسي بعد ذلك المصباح الكبير وكان المقصود من هذا الكتاب مجردالعمل وذكر الادعية (141) .

وقداكثر الشيخ الطوسي من التاليف في هذه الفترة، حيث كتب المبسوط في الفقه، وهومن اهم الكتب الفقهية، اذ اشتمل على ثمانين كتابا، فيه فروع الفقه كلها (142) ، ويعتبر كتاب‏المبسوط تحولا كبيرا في هذا المجال، يشبه التحول الذي احدثه كتاب العدة في مجال‏الاصول، حيث كان الشيخ قدبلغ قمة النضوج الفكري، فكان مجتهدا في آرائه التي طرحهافي كتابه الجديد، ومن ذلك استدلاله بالادلة العقلية والبراهين القطعية وتجدد الراي في‏المجتهدين (143) ، وبذلك يكون الشيخ الطوسي قدقفزة كبيرة في هذا المضمار، بعد ان كان كتابه‏النهاية لايعدو كونه محاولة لتجميع الروايات الفقهية، فلنستمع اليه وهو يقول:

وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، وذكرت فيه جميع مارواه اصحابنا في‏مصنفاتهم من المسائل، وفرقوه في كتبهم، ورتبته ترتيب الفقه (144) .

ويظهر من خلال النقلة التى اوجدها كتاب المبسوط ان شيخنا الطوسي كان صاحب‏مدرسة فقهية استطاعت ان تسهم في دفع الفقه الامامي الى الامام وتطويره، حيث العمق‏والاصالة والاتساع، ويعتبر كتاب المبسوط آخر كتب الفقه التي الفها الشيخ الطوسي، وبهذايشير ابن ادريس حين يقول:

وهذا الكتاب آخر ماصنفه شيخنا ابو جعفر في الفقه، فانه بعد النهاية والتهذيب والاستبصاروالجمل والعقود ومسائل الخلاف (145) .

كما كتب الشيخ الطوسي كتابا قيما في الفقه المقارن حمل اسم الخلاف او مسائل‏الخلاف مع الكل في الفقه وكانت اجواء الانفتاح في بغداد هي التي دفعت الشيخ الطوسي‏لكتابة هذا الكتاب، حيث كانت المناضرة والجدل والحوار سمة من سمات الحركة العلمية‏في بغداد آنذاك، وبذلك فان كتاب الخلاف قدتضمن الكثير من آراء المذاهب الاسلامية‏اضافة الى مااجتمعت عليه الفرقة - الامامية - من مسائل الدين (146) .

وفي مسائل الخلاف مع الكل في الفقه تالق نجم الشيخ الطوسي في دنيا الاجتهاد، حيث‏كان يناقش الآراء، وينتقدها مستندا الى الادلة العلمية، وقدبين ذلك في مقدمة كتابه اذيقول:

وذكر مذهب كل مخالف على التعيين وبيان الصحيح منه وماينبغي ان يعتقد، وان اقرن‏كل مسالة بدليل نحتج‏به على من خالفنا موجب للعلم من ظاهر قرآن او سنة مقطوع بهااو اجماع او دليل خطاب او استصحاب حال - على مايذهب اليه كثير من اصحابنا - اودلالة اصل او محتوى خطاب (147) .

ومما الف الشيخ الطوسي - ابان زعامته الفكرية للامامية واثناء اقامته في بغداد، و التي‏دامت اثنتي عشرة سنة من 436ه والى سنة 448ه كتاب المفصح في الامامة والغيبة‏والايجاز في الفرائض والاقتصاد والجمل والعقود كما لايستبعد ضياع بعض آخر بسبب الفتن‏والاضطرابات التي عصفت‏ببغداد بعد دخول السلاجقة اليها عام 447ه ، الامر الذي اضطرمعه الشيخ الطوسي للهجرة الى مدينة النجف الاشرف; ليرسي هناك دعائم مدرسته الجديدة‏فيها، والتي كتب لها ان تكون من اهم الجامعات الاسلامية في العالم والى يومنا هذا.

الشيخ الطوسي ومدرسته في النجف الاشرف

عادر الشيخ الطوسي بغداد مرغما، وتوجه صوب مدينة النجف، حيث قبراميرالمؤمنين علي‏بن ابي‏طالب‏عليه السلام، وقددخل المدينة عام 448ه ، ويبدو ان اختيار الشيخ‏الطوسي مدينة النجف الاشرف; لان تكون مستقرا له كان له مرجحات عديدة منها:

1. وجود نواة لحركة علمية في تلك المدينة، قدتسد فراغا بعد بغداد، فيجد فيها الشيخ‏الطوسي بديلا عن مدرسته في دار السلام.

2. وقوع النجف الاشرف على مقربة من الكوفة والتي هي موطن التشيع، حيث‏سيجدالشيخ الطوسي فيها قاعدة جماهيرية تتجاوب مع افكاره ومتبنياته ووجهات نظره‏المذهبية، وبالتالي سوف لن يواجه مشكلة اخرى كتلك التي عانى منها كثيرا في بغدادبسبب الخلافات المذهبية.

3. الموقع الجغرافي لمدينة النجف الاشرف، وبعدها عن مركز الاحداث المتفاقمة عن‏العاصمة بغداد يؤهلها لان تكون مكانا آمنا خاصة لاولئك الذين صاروا وقودا للفتنة،وسلطت عليهم الاضواء، واصبحوا تحت المراقبة.

كل هذه الامور حفزت الشيخ الطوسي لان يختار مدينة النجف الاشرف مكانالاستقراره، وفعلا فقدكان اختياره صائبا، حيث استطاع ان يخلق من تلك المدينة مدرسة‏علمية كبرى يؤمها الناس من شتى انحاء الدنيا.

وقدبقي الشيخ الطوسي في مدينة النجف الاشرف اثني عشر عاما منذ ان نزلها عام‏448ه وحتى وفاته فيها سنة 460ه ، ولازال بيته موجودا فيها، وقدتحول فيما بعد الى‏مسجد يحمل اسم الشيخ الطوسي، ويقع شمال ضريح الامام علي‏عليه السلام وعلى مقربة منه في‏الجهة اليسرى من شارع يحمل اسم الشيخ الطوسي ايضا.

يعود تاريخ الحركة العلمية في النجف الاشرف الى نهاية القرن الثاني الهجري، وبعدبناء مدينة بغداد على وجه التحديد، حيث‏شيد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور عاصمته‏الجديدة على نهر دجلة في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني (148) واتخذها عاصمة له،فاستقطبت تلك المدينة الحديثة علماء الكوفة وفقهاءها، ونزلوا بها، وتبعهم بذلك جمع من‏طلبة العلوم، مما اضعف مدرسة الكوفة، وقدتزامن ذلك مع بدء الحركة العمرانية في النجف‏الاشرف وتشييد مدرستها، فانتقلت البقية الباقية من مدرسة الكوفة اليها وعند ذلك‏استوعبت النجف كلما كان في الكوفة (149) .

وفي نفس الوقت ايضا امر الداعي الصغير محمدبن زيدبن محمد العلوي (150) وكان يؤمهاملكا لطبرستان بان يبني في النجف الاشرف قبة وحائطا وحصنا فيه سبعون طاقا (151) وهي‏على هيئة غرف ليسكن بها طلاب العلوم، كما وانه قد وردت اشارات اخرى تؤكد وجودحركة علمية في النجف الاشرف قبل وصول الشيخ الطوسي اليها، حيث‏يقول صاحب‏كتاب فرحة الغري:

بان عضد الدولة البويهي (367 - 372ه ) كان قدزار النجف الاشرف عام 371ه ،وطرح في ضريح الامام علي‏عليه السلام دراهم، فاصاب كل واحد منهم واحدا وعشرين‏درهما، وكان عدد العلويين الفا وسبعمائة اسم، وفرق على المجاورين وغيرهم‏خمسمائة الف درهم، وعلى الفقراء والفقهاء ثلاثة آلاف درهم (152) .

وقد بنى عضد الدولة الرواق العلوي في النجف الاشرف، والى هذا البناء يشير صاحب‏كتاب تاريخ الجامعات فيقول:

اصبحت مدينة النجف عاصمة التدريس للفقه الجعفري وعلوم الدين منذ عصر آل بويه‏بعد اعمارهم المرقد العلوي واجزالهم الصلات والرواتب للمقيمين به (153) .

بالاضافة الى ماتقدم فان هناك بعض الاسر العلمية المعروفة، كانت قدسكنت ارض‏النجف الاشرف في القرن الهجري الرابع، وقبل وصول الشيخ الطوسي لمدينة النجف، ومن‏تلك الاسر:

(آل شهريار)، وهم من البيوت النجفية الذين خدموا العلم والدين خدمة جليلة، وقضوا اياما عديدة في السدانة العلوية (154) .

وقدنبغ من تلك الاسرة السيد شريف‏الدين المعروف بابن سدرة المتوفى سنة 308،واحمدبن عبدالملك الغروي (155) الذي كان معاصرا للشيخ المفيد (156) .

بالاضافة لذلك فقدسكن النجف عدد من العلماء المشهورين قبل هجرة الشيخ الطوسي‏اليها، ومن اولئك العلماء ابوغالب احمدبن محمدبن سليمان الشيباني الزراري المتوفى سنة‏268، حيث كان مقيما في مدينة النجف الاشرف، والزراري هذا من افاضل الثقاة‏والمحدثين وشيخ علماء عصره واستاذهم، وله مؤلفات عديدة منها: كتاب التاريخ وآداب‏السفر، والافضال، ومناسك الحج، ورسالة في ذكر آل اعين (157) .

من كل ماتقدم يستنتج الباحث ان الشيخ الطوسي كان قدوصل النجف، وفيها بذرة‏علمية وحركة دراسية، استطاع ان يطورها; ليجعل بذلك مدينة النجف الاشرف مثابة‏العلماء ومحط الفقهاء و منتجع الافاضل (158) ; وليتخرج منها.

خلال القرون المتطاولة مايعد بالآلاف من اساطين الدين واعاظم الفقهاء وكبارالفلاسفة ونوابغ المتكلمين وافاضل المفسرين، واجلاء اللغويين وغيرهم ممن خبرالعلوم الاسلامية بانواعها (159) .

ويبدو ان الشيخ الطوسي كان قد انشا مدرسته الجديدة في النجف الاشرف كما يحب،وكما كان يتمنى مستفيدا من تجربته الطويلة في بغداد ومدارسها، ومستثمرا الجو الهادئ‏الذي كانت تنعم به هذه المدينة بسبب بعدها عن مسارح الاحداث والتيارات السياسية‏المتصارعة، فقصر الدراسة في مدرسته الحديثة على مذهب اهل البيت(ع) فقط ليعطيه‏مايستحقه من الدرس والبحث والتوسعة والاستقصاء، ولذلك كثف جهوده في هذا المجال،وظل ملازما لحلقات التدريس حتى آخر سني حياته، وفي ذلك يقول تلميذه ابن شهريارابو عبدالله محمدبن احمد الخازن:

حدثنا الشيخ ابو جعفر محمدبن الحسن‏بن علي الطوسي رحمه‏الله بالمشهد المقدس‏الغروي، وعلى ساكنه افضل الصلوات في شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين‏واربعمائة (160) .

ولعل انشغال الشيخ الطوسي بالتدريس وعمله المتواصل في بناء وتطوير مدرسته‏الجديدة كان السبب وراء الانتاج الفكري للشيخ وقلة التاليف عنده، اذا انه لم‏يكتب غيرالامالي واختيار الرجال وشرح الشرح رغم انه عاش اثني عشر عاما في النجف الاشرف(448 - 460ه ) منذ هجرته اليها وحتى وفاته‏رحمه الله فيها.

وقدانفردت مدرسة الشيخ الطوسي في النجف بمميزات خاصة منها:

1. انها احادية الاتجاه، حيث كان مذهب اهل البيت هو المادة الاساسية في تلك‏المدرسة، بعد ان كانت مدرسته في بغداد تشتمل على اكثر من اتجاه من مختلف المذاهب‏الاسلامية; ولعل هذا يعود الى اسباب عدة منها: انعدام التنافس المذهبي والصراع الفكري;لان سكان النجف وطلبتها كلهم من المنتمين لمذهب اهل البيت.

ثم خلو النجف الاشرف من العلماء الكبار الذين كان يجد امثالهم في مدارس بغداد،والذين كانوا يشكلون عنصر التحدي الذي لايملك الشيخ الطوسي امامه الا الدفاع عن كل‏شبهة، او الرد على اي راي لايعتقد بصوابه، وذلك من خلال المناظرات وحلقات الجدل‏والحوار التي كانت تزخر بها بغداد ومدارسها، بالاضافة الى ذلك فان ابتعاد النجف الاشرف‏عن مركز الخلافة ساهم الى حد بعيد في خلق اجواء هادئة قليلة التاثر بالمنازعات‏والصراعات السياسية التي كانت لها انعكاساتها المباشرة على الآراء المذهبية.

2. ومما امتازت به مدرسة النجف الاشرف الجديدة كونها تسير ضمن حلقات دراسية‏خاصة، يجتمع فيها الشيخ بتلاميذه، ويملي عليهم معارفه في التفسير والحديث وعلم‏الرجال والفقه والاصول، وهو مالم تشهد مثيله الدراسة من قبل، ولعل كتاب الامالي للشيخ‏الطوسي يعطينا صورة واضحة عن سير تلك الدراسة، حيث تضمن الكتاب موضوعات‏مختلفة في شتى العلوم والفنون الاسلامية.

3. كان الشيخ الطوسي يلقي دروسه بمشهد الامام علي‏عليه السلام، وبذلك اصبحت مدرسته‏متصلة اتصالا وثيقا بالمسجد، وليست من المدارس المستقلة عن الجوامع (161) كما هو الحال‏في مدارس بغداد، وقدظلت هذه الميزة قائمة الى يومنا هذا لتصبح تقليدا خاصا بمدرسة‏النجف الاشرف وحوزتها العلمية على غرار الحوزة التي انشاها الشيخ الطوسي قبل‏مايقرب من الف عام، والتي صارت فيما بعد شجرة مباركة تؤتي اكلها كل حين علماء وكتاباوفقهاء وادباء وخطباء وشعراء، ساهموا في اغناء المكتبة الاسلامية والانسانية، وتركواآثارهم وبصماتهم واضحة على كل مجتمع عاشوا فيه.

اولاده

خلف الشيخ الطوسي ولده الشيخ ابا علي الحسن‏بن ابي جعفر محمد الطوسي، وقدخلف اباه في العلم والعمل والتدريس والفتيا والقاء الحديث، وكان من مشاهير رجال العلم‏وكبار رواة الحديث، قرا على والده جميع تصانيفه (162) .

واجازه والده في النجف سنة 445ه . وقدكان عالما فاضلا فقيها محدثا جليلا ثقة (163) .

تتلمذ عليه جماعة كثيرة من اعيان الافاضل، واليه ينتهي كثير من طرق الاجازات الى‏المؤلفات القديمة والروايات (164) .

كما وخلف الشيخ الطوسي ابنتين كانتا عالمتين من اهل الرواية والدراية، اجازلهما ابوهما الشيخ الطوسي رواية ماصنف (165) .

وفاة الشيخ الطوسي

تباينت الروايات في تحديد سنة وفاة الشيخ الطوسي، فرواية تقول: «انه توفي سنة‏458ه» (166) ، واخرى تقول: «ان سنة وفاته كانت 459ه» (167) ، وثالثة تقول: «ان الشيخ الطوسي‏توفي عام 460ه» (168) ; ويبدو ان الرواية الثالثة هي اصدق الروايات وادقها; لان المعروف‏عن الشيخ الطوسي انه بقي بعد وفاة استاذه الشريف المرتضى اربعة وعشرين عاما (169) ،وحيث ان الشريف المرتضى كان قدتوفي سنة 436ه ، فهذا يعني ان وفاة الشيخ الطوسي‏كانت في سنة 460ه ، باضافة اربعة وعشرين سنة عاشها بعده، وبهذا يكون الشيخ الطوسي‏قدعمر خمسة وسبعين عاما من عام 385ه وحتى عام 460ه ، والذي يؤكد هذه الرواية‏ايضا هو اقامة الشيخ الطوسي مدة اثنتي عشرة سنة في النجف من 448 الى سنة 460ه (170) .

وكما اختلف الرواة في تعيين عام وفاته، فانهم اختلفوا ايضا في تحديد يوم وفاته،فمنهم من يقول: «انها كانت في ليلة الثاني عشر من المحرم (171) »، بينما يقول غيرهم: «انهاكانت في الثاني والعشرين منه (172) »، وقدتولى غسل الشيخ ودفنه جماعة من خيار تلاميذه، حيث‏يقول الحسن‏بن مهدي السليقي:

توليت انا والشيخ ابو محمد الحسن‏ين عبدالواحد العين زربي والشيخ ابو الحسن‏اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه (173) .

وقددفن في الموضع المعروف اليوم، وهو بيته (174) الذي تحول فيما بعد الى مسجد اطلق‏عليه اسم مسجد الشيخ الطوسي، والذي اصبح من المزارات المعروفة (175) ، اضافة الى كونه‏مدرسة يدرس فيها طلبة العلوم الدينية في حوزة النجف الاشرف ضمن حلقات خاصة‏مختلف العلوم الاسلامية، وقبر الشيخ الطوسي يتوسط المسجد (176) ، ويرتفع عن سطح الارض‏حوالي متر واحد، وعلى جدار المسجد الذي يرقد فيه شيخنا الطوسي كتبت ابيات من‏الشعر، تؤكد ان وفاة الشيخ كانت‏سنة 460ه ، والابيات هي:

يامرقد الطوسي فيك قدانطوى.

محيي العلوم فكنت اطيب مرقد.

بك شيخ طائفة الدعاة الى الهدى.

ومجمع الاحكام بعد تبدد.

اودى بشهر محرم فاضافه.

حزنا بفاجع رزئه المتجدد.

وبكى له الشرع الشريف مؤرخا.

(ابكى الهدى والدين فقد محمد) (177) .

ويقع قبر الشيخ الطوسي في محلة المشراق، وهي اقدم محلة في مدينة النجف‏الاشرف.

تعليقات:


1) البحراني، لؤلؤة البحرين، ص‏593; الاسترابادي، منهج المقال، ص‏292; القمي، سفينة البحار، ج‏2، ص‏97;الصدر، تاسيس الشيعة، ص‏267; كحالة، معجم المؤلفين، ج‏9، ص‏202; المامقاني، تنقيح المقال، ج‏3، ص‏104.

2) بحر العلوم، دليل القضاء الشرعي، ج‏3، ص‏177; كحالة، معجم المؤلفين، ج‏9، ص‏202. الطاهر، الشعرالعربي،ج‏1ص‏66.

3) طوس، واليها ينسب الشيخ الطوسي، وهي مدينة بخراسان تشتمل على بلدتين يقال لاحدهما: الطابران‏وللاخرى نوقان، ولهما اكثر من الف قرية، وفيها قبر الامام علي بن موسى‏الرضاعليه السلام وقبر الخليفة العباسي‏هارون الرشيد; انظر البغدادي، مراصد الاطلاع، ج‏2، ص‏897; والقزويني، آثار البلاد، ص‏411; والطريحي،جامع المقال، ص‏165; و الامين، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، ج‏12، ص‏143.

4) الطهراني، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏7.

5) نفس المصدر.

6) ابن الاثير، اللباب، ج‏2، ص‏93.

7) الامين، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، ج‏12، ص‏300.

8) بحر العلوم، مقدمة الامالي للشيخ الطوسي، ج‏1، ص‏4.

9) الطهراني، الذريعة، ج‏2، ص‏14; بحر العلوم، موسوعة العتبات، ج‏2، ص‏23.

10) بحر العلوم، مقدمة الامالي، ج‏1، ص‏4.

11) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏15.

12) الحلي، خلاصة الاقوال في معرفة احوال الرجال، ص‏73.

13) المجلسي، الوجيزة، ص‏163.

14) بحر العلوم، الرجال، ج‏3، ص‏227.

15) محمدعلى الاردبيلي، جامع الرواة، ج‏2، ص‏95، ط طهران 1334.

16) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏97.

17) ابن الحوزي، المنتظم، ج‏8، ص‏17.

18) انظر الكامل لابن الاثير، في حوادث 449ه.

19) انظر لسان الميزان، ج‏5، ص‏135.

20) انظر البداية والنهاية، ج‏12، ص‏7.

21) انظر المتنظم، ج‏8، ص‏173، 179.

22) انظر طبقات الشافعية، ج‏12، ص‏51.

23) انظر كتاب الامام الصادق، ص‏260، 448.

24) انظر مجلة الاسلام القاهرية، العدد الاول، السنة السابعة، ص‏40.

25) انظر رجال النجاشي، ص‏287.

26) انظر خلاصة الاقوال في معرفة احوال الرجال، ص‏73.

27) انظر الوجيزة، ص‏163.

28) انظر لؤلؤة البحرين، ص‏245.

29) انظر وصول الاخيار، ص‏71.

30) انظر مستدرك الوسائل، ج‏3، ص‏505.

31) انظر روضات الجنات، ص‏580.

32) انظر نهج المقال.

33) انظر معالم العلماء، ص‏114.

34) انظر منتهى المقال، ص‏269.

35) انظر تاسيس الشيعة، ص‏339.

36) الاميني، مصادر الدارسة عن الشيخ الطوسى، ط نجف.

37) انظر الطهراني، مقدمة تفسير التبيان، ج‏1، ص‏38 ومابعدها.

38) الطوسي، الرجال، ص‏45، النجف.

39) نفس المصدر.

40) الطهراني، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏38 ومابعدها; وانظر السيد بحر العلوم، مقدمة الامالي، ج‏1، ص‏20 - 23;ومقدمة رجال الطوسي، ط نجف.

41) الطهراني، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏39.

42) الخطيب، تاريخ بغداد، ج‏7، ص‏425.

43) الحموي، معجم الادباء، ج‏14، ص‏110 - 124.

44) الخطيب، تاريخ بغداد، ج‏3، ص‏331.

45) الطوسي، الرجال، ص‏452.

46) اسد حيدر، الامام الصادق، ج‏2، ص‏317; و انظر القمي، الكنى والالقاب، ج‏2، ص‏363.

47) المامقاني، تنقيح المقال فى احوال الرجال، ج‏1، ص‏194.

48) الطهراني، مقدمة تفسير التبيان، ج‏1، ص‏42 ومابعدها; وبحر العلوم، مقدمة امالي الشيخ الطوسي، ص‏24 ومابعدها، ومقدمة الفهرست.

49) العماد الطبري، بشارة المصطفى، ص‏79.

50) السيد بحر العلوم، مقدمة الامالي للطوسي، ج‏1، ص‏4.

51) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏15.

52) ابن العماد، شذرات الذهب، ج‏3، ص‏199.

53) ابن حجر، لسان الميزان، ج‏5، ص‏368.

54) الذهبي، تاريخ دول الاسلام، ج‏1، ص‏180.

55) ابن النديم، الفهرست، ص‏266.

56) ابو حيان، الامتاع والمؤانسة، ج‏1، ص‏141.

57) اليافعي، مرآة الجنان، حوادث سنة 413ه.

58) ابن الجوزي، المنتصم، ج‏8، ص‏11.

59) بحر العلوم، مقدمة امالي الطوسي، ج‏1، ص‏6.

60) السبكي، طبقات الشافعية، ج‏4، ص‏127.

61) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏15.

62) ابن الجوزي، المنتظم، ج‏8، ص‏120; الخطيب، تاريخ بغداد، ج‏11، ص‏402.

63) النوري، مستدرك الوسائل، ج‏3، ص‏516; ابن عتبة، عمده الطالب، ص‏194.

64) النوري، مستدرك الوسائل، ج‏3، ص‏16.

65) النجاشي، الرجال، ص‏206.

66) الطوسي، الرجال، ص‏485.

67) البحراني، لؤلؤة البحرين، ص‏259.

68) الخوانساري، روضات الجنات، ص‏383; البحراني، لؤلؤة البحرين، ص‏317.

69) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏53.

70) ابوالفداء، المختصر، ج‏27، ص‏155; الخطيب، تاريخ بغداد، ج‏11، ص‏113.

71) الطوسي، تلخيص الشافي، ص‏479.

72) الطوسي، الرجال، ص‏485.

73) الطوسي، الفهرست، ص‏29.

74) الطوسي، الفهرست، ص‏6.

75) السيد بحر العلوم، مقدمة امالي الطوسي، ج‏1، ص‏9.

76) الباخرزي، دمية القصر، ص‏75.

77) ابن ادريس، السرائر، ص‏2.

78) نفس المصدر.

79) الطوسي، العدة، ص‏51.

80) الخطيب، تاريخ بغداد، ج‏14، ص‏75.

81) انظر نفس المصدر، ج‏3، ص‏32.

82) الطهراني، مصفى المقال، ص‏28; الطوسي، الرجال، ص‏450.

83) اليافعي، مرآة الجنان، ج‏3، ص‏44.

84) الطوسي، الامالي، ج‏1، ص‏24 - 30.

85) محمد كردعلي، خطط الشام، ج‏6، ص‏185.

86) ابن عتبة، عمدة الطالب، ص‏195.

87) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏15.

88) نفس‏المصدر، ج‏12، ص‏53.

89) فياض، محاضرات عن الشعر الفارسي، ص‏97.

90) منتصر، تاريخ العلم، ص‏72.

91) ابن‏داود، الرجال، ق‏1، ص‏306.

92) الشهيد الاول، كتاب الاربعين حديثا، ص‏182.

93) انظر الطهراني، الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج‏1، ص‏73 و ج‏10، ص‏120، مادة(الرجال).

94) الطهراني، الذريعة، ج‏1، ص‏365 - 366.

95) نفس المصدر، ج‏2، ص‏14 - 16.

96) نفس المصدر، ج‏2، ص‏198.

97) نفس المصدر، ج‏2، ص‏269 - 270.

98) الطهراني، الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج‏2، ص‏309 - 311، ص‏313 - 314.

99) نفس المصدر، ج‏2، ص‏368.

100) نفس المصدر، ج‏2، ص‏364 و 486.

101) نفس المصدر، ج‏3، ص‏328 - 331، ج‏4، ص‏266 - 267.

102) نفس المصدر، ج‏4، ص‏423.

103) نفس المصدر، ج‏4، ص‏433.

104) نفس المصدر، ج‏4، ص‏504 - 507.

105) نفس المصدر، ج‏5، ص‏145.

106) نفس المصدر، ج‏7، ص‏235 - 236.

107) نفس المصدر، ج‏11، ص‏340.

108) نفس المصدر، ج‏13، ص‏332.

109) نفس المصدر، ج‏15، ص‏227.

110) نفس المصدر، ج‏16، ص‏79.

111) نفس المصدر، ج‏16، ص‏384.

112) نفس المصدر، ج‏19، ص‏25 - 26.

113) نفس المصدر، ج‏19، ص‏36.

114) نفس المصدر، ج‏19، ص‏54 - 55.

115) نفس المصدر، ج‏1، ص‏348، مادة (اخبار المختار).

116) نفس المصدر، ج‏8، ص‏176، مادة (الدعاء).

117) نفس المصدر، ج‏6، ص‏270 مادة حجية الاخبار).

118) نفس المصدر، ج‏5، ص‏214، مادة (جوابات).

119) نفس المصدر، ج‏5، ص‏218، مادة (جوابات).

120) نفس المصدر، ج‏5، ص‏218، مادة (جوابات).

121) نفس المصدر، ج‏5، ص‏219، مادة (جوابات).

122) نفس المصدر، ص‏220، مادة (جوابات).

123) نفس المصدر، ص‏221، مادة (جوابات).

124) نفس المصدر، ص‏230، مادة (جوابات).

125) نفس المصدر، ج‏8، ص‏175 - 176، مادة الدعاء.

126) الطهراني، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏34.

127) الطهراني، الذريعة، ج‏5، ص‏277.

128) الطهراني، الذريعة، ج‏4، ص‏143.

129) بحر العلوم، مقدمة الامالي للشيخ الطوسي، ج‏1، ص‏10.

130) اسد حيدر، الامام الصادق، ج‏2، ص‏317; القمي، الكنى والالقاب، ج‏2، ص‏363.

131) القائم بامر الله هو عبدالله‏بن القادر بالله احمد.

132) هروي، حديقة الرضوية، ص‏19.

133) المامقاني، تنقيح المقال، ج‏3، ص‏105; التستري، مجالس المؤمنين، ص‏201.

134) البحراني، الدرة البهية، ورقة 6 آ، ب; التستري، مجالس المؤمنين، ص‏201.

135) نفس المصدر.

136) بحر العلوم، مقدمة الامالي، ج‏1، ص‏10.

137) السبكي، طبقات الشافعية، ج‏4، ص‏127.

138) ابن الجوزي، المنتظم، ج‏8، ص‏173.

139) الصدر، الشيعة وفنون الاسلام، ص‏57.

140) الطوسي، مصباح المتهجد، ص‏2.

141) نفس المصدر، ص‏2.

142) الطوسي، الفهرست، ص‏189.

143) سيد شفيع، الروضة البهية، ص‏185.

144) الطوسي، المبسوط، ص‏3.

145) ابن ادريس، السرائر، باب في ذكر الانفال ومن يستحقها.

146) بحر العلوم، الرجال، ج‏3، ص‏230.

147) الطوسي، الخلاف، ج‏1، ص‏2.

148) النجاشي، الرجال، ص‏31.

149) اليعقوبي، البلدان، ص‏41.

150) بحر العلوم،تحفة العالم، ج‏9، ص‏271.

151) البخاري، سر السلسلة العلوية، ص‏26; بحر العلوم، تحفة العالم، ج‏9، ص‏271.

152) ابن طاووس، فرحة الغري، ص‏114.

153) غنيمة، تاريخ الجامعات، ص‏49.

154) بحر العلوم، مقدمة الامالي، ج‏1، ص‏15.

155) حسن الامين، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، ج‏12، ص‏230.

156) محبوبة، ماضي النجف، ج‏2، ص‏404.

157) كحاله، معجم المؤلفين، ج‏2، ص‏108; الشيخ حبيب‏الله الكاشاني، لباب الالقاب، ص‏26.

158) مجلة رسالة الاسلام، السنة الخامسة، العدد 1، ص‏87، مقالة الدكتور حسين علي محفوظ.

159) بحر العلوم، مقدمة الامالي، ج‏1، ص‏14.

160) ابن طاووس، مهج الدعوات، ص‏218.

161) ناجي معروف، علماء النظاميات، ص‏141.

162) مستجب الدين، الفهرست، ص‏4.

163) الحر العاملي، امل الآمل، 461.

164) اسدالله التستري، مقابس الانوار، ص‏9.

165) كاشف الغطاء، الحصون المنيعة في طبقات الشيعة، ج‏1، ص‏328.

166) ابن شهر آشوب، معالم العلماء، ص‏102; الكنتوري، كشف الحجب، ص‏56.

167) الصفدي، الوافي بالوفيات، ج‏2ص‏349; زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية، ج‏3، ص‏11.

168) بحر العلوم، موسوعة العتبات المقدسة، ج‏2، ص‏42.

169) نفس المصدر.

170) الطهرانى، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏45.

171) فنديك، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع، ص‏181.

172) العلامة الحلي، الرجال، ص‏248; الخوانسارى، روضات الجنات، ص‏581; البحراني، لؤلؤة البحرين،ص‏293; الطهراني، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏45.

173) العلامة الحلي، الرجال، ص‏148; البحراني، لؤلؤة البحرين، ص‏293.

174) الصدر، عيون الرجال، ص‏74; كمال‏الدين، فقهاء الفيحاء، ص‏81; سركيس، معجم المطبوعات، ج‏2،ص‏1248.

175) بحر العلوم، الرجال، ج‏3، ص‏239.

176) زرت قبر الشيخ الطوسي اكثر من مرة عند زيارتي لمدينة النجف الاشرف، آخرها كانت عام 1399ه .

177) البيت‏يؤرخ وفاة الشيخ الطوسي بسنة 460ه، انظر كتاب ضبط التاريخ بالاحرف، ص‏13، للشيخ جعفرالنقدي.