الباب الثاني: منهجيةالشيخالطوسيفيتفسيره
الفصل الاول: نشاة التفسير وتطور مناهجه
وصف مجمل لتفسير التبيان
لما كان القرآن الكريم كتاب الله الذي انزله على رسوله الامين محمدصلى الله عليه وآله; ليخرج بهالناس من الظلمات الى النور،
فانه لابد للمسلمين من ان يتفهموا معانيه، ويفقهوا آياتهليتمكنوا من العمل على ضوء تعاليمه ووفق مفاهيمه وعلى وحي من هداه،
وكان لابدلرسول اللهصلى الله عليه وآله من ان يبين للناس ما في هذا الكتاب العزيز «وانزلنا اليك الذكر لتبين للناسما نزل اليهم
ولعلهم يتفكرون» (1) ، خاصة وان القرآن الكريم قداحتوى المحكم والمتشابهمن الآيات والمطلق والمقيد من الاحكام، فضلا عن
تضمنه الحقيقة والمجاز والتصريحوالكناية، وفعلا فقدتولى رسول اللهصلى الله عليه وآله مسؤولية التفسير والشرح لآيات الكتاب
طيلة سنيحياته; ليوضح اسباب النزول ويبين مايحتاج الى البيان من المجمل والمتشابه والناسخوالمنسوخ، كما ويشرح عمليا
بعض الاحكام العبادية والواجبات الشرعية التي جاء بهاالكتاب المجيد، وفي هذا الصدد كان هناك رايان حول ما اذا كان
الرسولصلى الله عليه وآله قدبينللصحابة كتاب الله كله، الفاظه ومعانيه ام لا؟ فابن تيمية يؤكد ان الرسولصلى الله عليه وآله كان
قدبينللصحابة القرآن كله الفاظه ومعانيه (2) ، في حين يؤكد الزركشي ان تفسير القرآن وتاويلهبجملته لمينقل الينا عن الصحابة،
فنحن نحتاج الى ماكانوا يحتاجون اليه (3) ، والواقع ان فهمااجماليا للقرآن كان قدتوفر للعديد من الصحابة، ولكن نجوات التباين بين
افهامهم بقيتكبيرة، وتشهد كتب الصحاح بذلك، وهي تروي لنا ماوقع فيه الصحابة من اخطاء في تفسيرآيات القرآن الكريم، ومرد
ذلك الى اختلاف مداركهم ومعارفهم واستيعابهم للغة ومدىالتصاقهم بالرسول الاكرمصلى الله عليه وآله وقربهم منه.
فقد روي عن عديبن حاتم قوله:
لمانزلت «حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود» (4) عمدت الى عقال ابيض فجعلتهتحت وسادتي، فجعلت انظر في الليل
فلايستبين لي، فغدوت على رسول اللهصلى الله عليه وآله،فذكرت له ذلك، فقال: «انما ذلك سواد الليل وبياض النهار (5) ».
وعن ابن عباس روي قوله:
كنت لاادري ما «فاطر السموات والارض» حتى اتاني اعرابيان يختصمان في بئر، فقالاحدهما: انا فطرتها، اي انا ابتداتها (6) .
ورغم كل ذلك فقدكان القرآن في عصر الرسالة قريبا الى عقول الناس وافهامهم، وانتفاوتت تلك الافهام في درجة المعرفة والادراك (7) .
وعندما فجع المسلمون بوفاة المفسر الاولصلى الله عليه وآله لجاوا بعد ذلك الى صحابته الذينعاشروه وسمعوا منه وتفقهوا على
يديه، يسالونهم تفسير مايستغلق على اذهانهم فهمه منمفردات القرآن الكريم وآياته، فيروي لهم الصحابة ماسمعوه من رسول
اللهصلى الله عليه وآله في ذلك،ولايتردد بعضهم من الاعتراف بجهله في معاني بعض الكلمات تنزيها للقرآن من التفسيربالراي
والظن (8) ، ومن ذلك ماروي عن الخليفة الثاني عمربن الخطاب انه قرا «وفاكهة وابا»فقال: «هذه الفاكهة قدعرفناها فما الاب؟ ثم قال:
قدنهينا عن التكلف» (9) ومع كثرة الصحابةالذين عايشوا رسول الله وعاصروه وسمعوا منه الحديث الا اننا لانكاد نجد من بينهم
نسبةعالية من المفسرين، وفي هذا المجال يصرح السيوطي في الاتقان بقوله:
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الاربعة وابن مسعود وابن عباس وابيبنكعب وزيدبن ثابت وابو موسى الاشعري
وعبداللهبن الزبير. اما الخلفاء فاكثر من رويعنه منهم عليبن ابي طالب، والرواية عن الثلاثة الآخرين نزرة جدا، وكان السبب
فيذلك تقدم وفاتهم كما ان ذلك هو السبب في قلة رواية ابيبكر للحديث ولااحفظ عنابيبكر في التفسير الا آثارا قليلة جدا لاتكاد
تجاوز العشرة (10) .
اما روايات اهل البيتعليهم السلام وروايات اخرى عن الصحابة، فانها تؤكد ان رسول اللهصلى الله عليه وآلهقداختص الامام علياعليه
السلام بالتعليم وبيان كتاب الله، وان اهل البيتعليهم السلام قدورثوا علوم رسولاللهصلى الله عليه وآله، وهم رفقاء القرآن،
لاينفكون عنه، فقدروى المسلمون بالتواتر عن رسول اللهصلى الله عليه وآلهقوله: «اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي اهل
بيتي...»
لذا فهم المرجع بعد رسول اللهصلى الله عليه وآله في التفسير وبيان الاحكام، ومع ذلك فقد برزتمدرستان في التفسير: مدرسة
تعتمد على ماصدر عن ائمة اهل البيتعليهم السلام كمراجع للتفسير،ومدرسة تعتمد على ماصدر عن الصحابة وحدهم فيما لميرد
فيه بيان عن النبيصلى الله عليه وآله.
ومدرسة التفسير عند الصحابة تعتمد المصادر التالية:
1. القرآن الكريم: لمايشتمل عليه من عموم وخصوص واطلاق وتقييد واجمال وتبيينوايجاز واطناب، وفي ذلك يقول الامام
عليعليه السلام في معرض وصفه للقرآن «ينطق بعضهببعض، ويشهد بعضه على بعض» (11) ، والى هذا المعنى يشير الزمخشري في
الكشاف الى انه«اسد المعاني مادل عليه القران» (12) ، وفي هذا الصدد جاءت الآيات الكثيرة وهي تفسراخواتها وتشرح مفرداتها
ومضامينها فابن كثير مثلا يذكر في تفسيره قول الله تعالى «وفصالهفي عامين ...» الآية:
ان جماعة من الصحابة استنبطوا ان اقل مدة للحمل ستة اشهر لقوله تعالى «وحمله وفصالهثلاثون شهرا» (13) و (14) .
2. الرسول الاكرمصلى الله عليه وآله: حيث كان صلى الله عليه وآله يبين للصحابة ماخفي عليهم ولذلك حفظوا عنهمن
لاحاديثشيئا كثيرا كانوا قداستعانوا بها فيما بعد على تفسير آيات الكتاب العزيزوبذلك صار الحديث النبوي الشريف مصدرا مهما
من مصادر التفسير في عصر الصحابةومابعده ايضا.
3. الاجتهاد في الراي: - والصحابة لايلجؤون الى هذا اللون من التفسير الا بعد ان عدمالتيسير لهم للاخذ عن القرآن او النبيصلى
الله عليه وآله، لذلك يضطرون الى اعمال رايهم في تفسير بعضمن آيات القرآن المجيد يساعدهم في ذلك معرفتهم بمفردات اللغة
وصياغتها واسرارها.
4. كتب الديانات الاخرى كالانجيل والتوراة: حيث اعتمد الصحابة عليها في معرفةقصص الانبياء والامم الغابرة، وقدكان الصحابة
يرجعون في ذلك الى من دخل في الاسلاممن اهل الكتاب مثل كعب الاحبار وعبداللهبن سلام وامثالهما.
وفي عهد التابعين اضيف الى هذه المصادر الاربعة مصدر آخر في التفسير، كانالتابعون يولونه شيئا من الاهتمام، وهو اقوال
الصحابة فصارت مصادرهم التفسيرية القرآنالكريم وروايتهم عن الصحابة احاديث النبيصلى الله عليه وآله واقوال الصحابة واجتهاد
التابعين انفسهمواستنباطهم واهل الكتاب (15) .
ثم جاء عهد الفتوحات الاسلامية، فاحدثت تلك الفتوحات تغييرا مهما في ثقافةالمسلمين وحياتهم، اذ ان التلاقح الفكري
والحضاري الذي حدث بين افكار الشعوبالمفتوحة والفكر الاسلامي كان عاملا مهما في التاثير على المسلمين انفسهم
حيثامتزجت العادات والتقاليد والنظم، فنشات مذاهب جديدة طغت على بعضها الخرافاتوالبدع (16) .
وفي اواخر ايام الحكم الاموي بدا عصر التدوين لاحاديث الرسولصلى الله عليه وآله، وكان التفسيربابا من الابواب التي شملها تدوين
الحديث، حيث لميفرد له في بداية الامر تاليف خاصيفسر القرآن من البداية الى النهاية، ولكن ذلك لميدم طويلا حيثبدا التفسير
ينفصل عنالحديث فاصبح علما قائما بنفسه، ووضع لكل آية من القرآن تفسير، ورتب ذلك علىحسب ترتيب المصحف، كما هو
الحال في جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري(ت 310ه ) (17) .
وهنا لابد لنا من ذكر المناهج التفسيرية التي درج عليها المفسرون في تفاسيرهم والتييمكن تقسيمها من حيث الاساس الى:
1. التفسير بالماثور.
2. التفسير بالراي.
3. التفسير اللغوي.
1- التفسير بالماثور: ويشمل هذا النوع من التفسير كل ماجاء في القرآن نفسه من تفسيرالآيات بعضها للبعض الآخر، ومانقل عن
، وهذا النوع من التفسير هو اول انواع التفسير ظهورا (21) ،
ويبدو ان هناك اعتراضات منقبل بعض المفسرين حول اعتبار ماينقل من التابعين من قبيل الماثور، وفي هذا الصدديقول ابن
تيمية وهو يتحدث عن اقوال التابعين:
انها ليستبحجة على غيرهم ممن خالفهم، اما اذا اجتمعوا على الشيء فلايرتاب فيكونه حجة، فان اختلفوا فلايكون قول بعضهم
حجة على بعض ولاعلى من بعدهم،ويرجع في ذلك الى لغة القرآن او السنة او عموم لغة العرب او اقوال الصحابة.
وهناك من يعتبر اقوال التابعين من قبيل الراي (22) ولايعدها من الماثور.
ويعتبر تفسير الطبري من اهم واول كتب التفسير بالماثور، ويمتاز تفسيره باسناد الاقوالالى اصحابها مسلسلة، والتعويل على
ماروي عن الرسولصلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين (23) .
وقدتوسع بعض المفسرين في هذا المنهج، ونقلوا عن اهل الكتاب شيئا كثيرا، وخاصةفي مجال القصص النبوي واحوال الامم
الغابرة مبررين كثرة النقل عن هؤلاء بان مثل هذهالمنقولات ليست مما يرجع الى الاحكام والعقائد، فتساهلوا في ذلك، وملاوا
تفسيراتهمبمنقولات عن عامة اهل التوراة (24) ، ولعل التفسير الكبير لاحمدبن محمدبن ابراهيم الثعالبيالنيسابوري (ت 427ه )
كان واحدا من بين اكثر كتب التفسير نقلا عن اهل الكتاب، وكانلكثرة النقل عن اهل الكتاب اكبر الاثر في تضعيف التفسير
بالماثور، وذلك بسبب ماخالطهمن الوضع والاسرائيليات التي كانت لاتعبر عن وجهة نظر اسلامية اطلاقا، والتي كانتتحمل بين
طياتها اهدافا شريرة، القصد منها الاساءة للاسلام ولرسوله ولسائر الانبياءعليهم السلام،كما ساهم في تضعيف التفسير بالماثور ايضا
حذف الاسانيد من الروايات، وخاصة بعدتفسير الطبري (25) ، وهو مالجا اليه بعض المفسرين بقصد الاختصار كماحدث للبغوي
الفراء(ت 510ه ) وابن كثير (ت 774ه ) والسيوطي (ت 911ه ) الذي يقول في مقدمة الدرالمنثور:
فلما الفت كتاب ترجمان القرآن، وهو التفسير المسند عن رسول اللهصلى الله عليه وآله واصحابه رضياللهعنهم، وتم بحمدالله في
مجلدات، فكان ما اوردته فيه من الآثار باسانيد الكتب المخرجمنها ورايت قصور اكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على
متون الاحاديثدون الاسناد وتطويله فلخصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الاثر مصدرابالعزو والتخريج الى كل كتاب
معتبر وسميته بالدر المنثور في التفسير بالماثور (26) .
ويقف مفسرو الامامية من الماثور ولايعتبرون الا بما جاء في القرآن الكريم من بيانوتفصيل، وماروي عن النبيصلى الله عليه وآله
وعن الائمة من اهل البيتعليهم السلام، وهذا مااشار اليه الشيخالطوسي في تفسيره فقال:
ان الرسولصلى الله عليه وآله حث على قراءة القرآن والتمسك بما فيه، ورد اليه مايرد من اختلافالاخبار في فروع، ثم اردف قائلا:
ان اصحابنا - يعني الامامية - ذكروا بان تفسير القرآن لايجوز الا بالاثر الصحيح عنالنبيصلى الله عليه وآله وعن الائمةعليه السلام
الذين هم قولهم حجة كقول النبيصلى الله عليه وآله (27) .
وفيما عدا ذلك فالامامية لاتعتبر اي نقل حجة، وفي ذلك يقول السيد محمدتقيالحكيم: «واما ما نقل عن الصحابة والتابعين فليس
بحجة في ذاته» (28) ، ولدى الامامية تفاسيرعديدة عنيتبالماثور منها:
1. تفسير العياشي لمحمدبن مسعودبن عياش، وهو من فقهاء الشيعة الامامية في القرنالثالث الهجري، وللعياشي هذا اكثر من
مائتي مصنف (29) .
2. تفسير فرات لفراتبن محمدبن فرات الكوفي، وهو من علماء القرن الثالث للهجرة (30) .
3. تفسير القمي لعليبن ابراهيمبن هاشم القمي، وهو من رجال القرن الثالث والرابعللهجرة النبوية الشريفة (31) .
2- التفسير بالراي: ويعني تفسير القرآن بالاجتهاد (32) ، والراي لغة هو الاعتقاد والقياسوالاجتهاد، ويعتبر اصحاب القياس من
اصحاب الراي; لانهم يقولون برايهم فيما لميجدوافيه حديثا او اثرا (33) ، واعتماد الراي في التفسير جاء متاخرا، وان كانت هناك
محاولاتتفسيرية من قبل بعض المسلمين في عصر النبوة، حيث كانوا يعملون نظرهم في القرآن،عندما لميتيسر لهم لقاء
الرسولصلى الله عليه وآله، فوجد في تلك الفترة من كان يفسر القرآن برايه (34) .
وهذا اللون من التفسير قدتعرض الى هجوم شديد من قبل بعض المسلمين، حتى كانبعضهم يحرمونه وينهون عنه (35) مستندين
في ذلك الى قول الرسولصلى الله عليه وآله:
«من قال في القرآن برايه فاصاب فقد اخطا» (36) ، بينما اجاز هذا النوع من التفسير قومآخرون مستدلين بما جاء في القرآن الكريم
من دعوة وحث على النظر في كتاب الله، كما فيقوله تعالى «كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولوا الالباب» (37) .
وقوله تعالى «افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها» (38) .
وقدفسر المجوزون نهي الرسولصلى الله عليه وآله بانه واقع على من قال برايه في نحو مشكلالقرآن ومتشابهه، او اريد بالراي الذي
يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه او مجملالنهي، او من يقول في القرآن بظاهر العربية دون ان يرجع الى الماثور، وبالتالي
فان المفسربالراي الذي يستعين بالماثور وادوات التفسير الاخرى من اللغة العربية وعلومها وعلومالقرآن والتاريخ والفقه واصوله
لايمكن ان يكون مشمولا بالنهي الوارد في الحديث (40) ، وهذا يعنى -
حسب رايهذا الفريق - ان هناك نوعين من التفسير بالراي: احدهما جائز معتبر، وهو الذي تراعى فيهالاصول والمعايير المعتبرة
لدى المفسرين، والتي لايخرج منها المفسر من احكام الشريعةوروح القرآن الكريم، والنوع الآخر هو النوع المنهي عنه والذي
لايلتزم فيه المفسربالمعايير والضوابط المعروفة التي درج عليها المفسرون، وبالتالي فسوف تاتي تفسيراتهم،وهي تحمل معها بذور
التناقض والخلاف مع الاحكام الاسلامية والمنطق القرآني.
هذا وان التفسير بالراي قد اتخذ مسارات وطرقا مختلفة تتناسب ونوع الثقافة التيحصل عليها المفسر وطريقة التفكير في
المدرسة التي ينتمي اليها، ويمكن ذكر اهمالمناحي التفسيرية في هذا المجال وهي:
1. المنحى الفقهي في التفسير: وهو المنهج الذي سلكه المفسرون في بيان آياتالاحكام، وتوضيح المراد منها، وقداتسع هذا الاتجاه
من التفسير بعد ان ظهرت المذاهبالاسلامية المختلفة، والتي اختلف معها المفسرون كل حسب مايعتقده ومايتبناه من
افكارومفاهيم، فلاهل السنة بمذاهبهم الاربعة تفسير فقهي متنوع تبعا لهذه المذاهب الفقهية،وكذلك الظاهرية والخوارج، (41)
وآخرون غيرهم.
فللحنفية كتاب احكام القرآن لابيبكر الرازي المعروف بالجصاص (ت 370ه )، وعندالشافعية كتاب احكام القرآن لابي الحسن
الطبرى (ت 540ه )، ولدى المالكية كتاب(احكام القرآن) لابيبكربن العربي (ت 543ه ).
2. المنحى العقيدي: والذي نشا بسبب اتجاه رجال كل فرقة الى اعمال عقولهم فيتاويل النص القرآني، وتحكيم معتقداتهم فيه،
ومن ثم استخراج الادلة منه على سلامةاتجاههم (42) .
وقدكان هذا المنحى خطيرا جدا حيث ظهرت امتدادات الصراع الفكري والعقائديبشكل مؤثر حاول الكثير من الفرق تسخير
كتاب الله وجره بما ينسجم ومتبنياتهاواتجاهاتها، فتاولت آيات الكتاب بشكل قسري، وكثيرا ماكانت تبتعد فيه عن
الروحالموضوعية والنزاهة، وقدكان للمعتزلة دور كبير في هذا الميدان، حيث انهم حاولوا تطويعالنص القرآني لمايخدم افكارهم،
وركبوا عامل اللغة للوصول الى هذا الهدف، وتفسيرالكشاف للزمخشري (43) حافل بهذا النوع من التاويل والتفسير الذي تطفح فيه
النزعةالاعتزالية بشكل جلي، يقابله في الجانب الآخر الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب،والذي دافع فيه عن اهل السنة وابرز
النزعة الاشعرية، وهاجم المعتزلة، واشبع تفسيرهنقدا لهم واحتجاجا عليهم، كما ودخل علماء المدرسة الامامية حلبة
الصراعوطرحوا آراءهم ومعتقداتهم في كتب التفسير، حيث لميكونوا متفقين مع المعتزلة فيجميع معتقداتهم، وكذلك مع اهل
السنة (44) ، الى جانب ذلك فقدظهرت فرق اخرى عديدةاخذت تتوسل بالقرآن في اثبات عقائدها وافكارها كالخوارج والجهمية
والمرجئةوغيرهم (45) .
3. المنحى الفلسفي: وقدنشا هذا المنهجبعد اتصال المسلمين بغيرهم فيما بعد عصرالفتوحات، وكذلك بعد ان نشطتحركة
الترجمة من الكتب والثقافات الاخرى كاليونانيةوالفارسية والهندية (46) ، فقام الفلاسفة المسلمون بمحاولة التوفيق بين الثقافة
الاسلاميةوغيرها من الثقافات الاخرى، كما حاولوا التوفيق بين الفلسفة وبين الدين الاسلامي منخلال تاويل النصوص الدينية،
وحملها على معان تتفق وماتقول به الفلسفة (47) .
فالفارابي فسر الملائكة بانها صور علمية، جواهرها علوم ابداعية قائمة بذواتها، تلحظالامر الاعلى فينطبع في هوياتها ماتلحظ، وهي
مطلقة لكن الروح القدسية تخاطبها فياليقظة، والروح النبوية تعاشرها في النوم (48) وفسر ابنسينا قوله تعالى «الله الصمد» فقال:
للصمد في اللغة تفسيران: احدهما الذي لاجوف له، والثاني: السيد، فعلى التفسير الاولمعناه سلبي، وهو اشارة الى نفي الماهية،
فان كان ماله ماهية فله جوف وباطن، وهو تلكالماهية، ومالابطن له، وهو موجود فلاجهة ولااعتبار في ذاته الا الوجود، والذي
لااعتبار لهالا الوجود فهو غير قابل للعدم، فان الشيء من حيث هو هو موجود غير قابل للعدم، اذالصمد الحق واجب الوجود مطلقا
من جميع الوجوه; وعلى هذا التفسير الثاني معناهاضافي، وهو كونه سيدا للكل اي مبدا للكل (49) .
4. المنحى الباطني: واصحاب هذا المذهب هم من الاسماعيلية الذين قالوا بامامةاسماعيلبن الامام جعفرالصادق، والباطنية كانت
قدظهرت ايام حكم المامون العباسي،وانتشرت في زمان المعتصم (50) .
وقداسرفت هذه الفرقة في التمسك بباطن الآيات القرآنية دون ظاهرها المعلوم مناللغة، وقالوا: ان نسبة الباطن الى الظاهر
كنسبة اللب الى القشور متشبثين بقوله تعالى:«فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب» (51) .
وقدافرد الغزالي كتابا خاصا لنقض افكارهم والتشهير بهم سماه فضائح الباطنية، يقولفي بعض فقراته:
ولماعجزوا عن صرف الخلق عن القرآن والسنة صرفوهم عن المراد بهما الى مخاريقزخرفوها، واستفادوا ابطال معاني الشرع، وكل
ماورد من الظواهر في التكاليف والحشروالنشر والامور الالهية، فكلها امثلة ورموز الى بواطن (52) .
وذكر بعضا من نماذجهم التفسيرية منها :
الزنى هو القاء نطفة العلم الباطن في نفس من لميسبق معه عقد العهد.
والاحتلام: هو ان يسبق لسانه الى افشاء السر في غير محله، فعليه الغسل، اي تجديدالمعاهدة.
اما نار ابراهيم فهي غضب نمرود لا النار الحقيقية.
وذبح اسماعيل معناه اخذ العهد عليه (53) .
ومثل هذا التفسير لميجد رواجا واسعا، خاصة وانه يخالف النصوص القرآنية مخالفةصريحة، كما ولميدعمه اصحابه بما يوثقه من
احاديث النبيصلى الله عليه وآله، او احاديث الائمة من اهلالبيتباعتبارهم من القائلين بامامة علي والحسنين وعليبن الحسين
ومحمدالباقروجعفرالصادقعليهم السلام.
5. المنحى الصوفي: واصحاب هذا المذهب من المتصوفة الذين عرفوا بالاتجاهالروحي، والذين يغلب عليهم طابع الزهد والتقشف،
وقدحاول هؤلاء اخضاع القرآن الكريمالى مايعتقدونه، شانهم بذلك شان غيرهم من اصحاب المذاهب المختلفة، وقدجاءتفسيرهم
لآيات القرآن الكريم متميزا بالرمزية واستعمال الاشارة في التعبير، وهم في ذلكيلتقون مع الباطنية في بعض المواقف التفسيرية
ازاء النصوص، وهم في منحاهم هذا يستندون الى ما في القرآن من دعوة للتامل والتدبر، والى ماروي عن رسول اللهصلى الله عليه
وآله: «لكلآية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع و...» (54) ، وبذلك تاولوا آيات القرآنالكريم، وفسروها بما يتناسب ورؤاهم،
ومن ذلك تفسير قوله تعالى «و ان من الحجارة لمايتفجر منه الانهار و ان منها لما يشقق فيخرج منه الماء و ان منها لما يهبط من
خشية الله» (55) ،فذكروا ان مراتب القلوب في القسوة مختلفة فالتي يتفجر منها الانهار قلوب يظهر عليهاالغليان انوار الروح بترك
الملذات والشهوات وبعض الاشياء والمشبهة بخرق العادات، كمايكون لبعض الرهبانيين واليهود.
والتي تشقق «فيخرج منه الماء» هي التي يظهر عليها في بعض الاوقات عند انخراقالحجب البشرية من انوار الروح فيريه بعض
الآيات والمعاني المعقولة كما يكون لبعضالحكماء والتي «يهبط من خشية الله» مايكون لبعض اهل الاديان والملل من قبول
عكسانوار الروح من وراء الحجب، فيقع فيها الخوف والخشية وهذه المراتب مشتركة بينالمسلمين وغيرهم (56) .
3- التفسير اللغوي: وقدتبنى اصحاب هذا المنهج استخدام اللغة كاداة اساسية في فهمالنص القرآني واستخلاص معاني الآيات منه
باعتباره نصا ادبيا معجزا، ومن اشهر اصحابهذا الاتجاه الفراء (ت 207)، ومن ثم جاء ابو عبيده (ت 210)، واعقبهم في ذلك ثعلب
(ت291)، وغيرهم ممن كتبوا في معاني القرآن، وقد اوجد هذا الاتجاه حركة واسعة في مجالالدراسات اللغوية،فظهرت بعد ذلك
آثار علمية في غريب القرآن وامثال القرآن ومصادرهاوغيرها (57) ، وقداكثر اصحاب هذا الاتجاه من الاستشهاد بالشعر العربي على
الآيات القرآنية،وعنوا عناية خاصة باللغة صرفتهم عن الاشتغال بالقصص القرآني وتفصيل القول فيه (58) ،وقد اثر هذا الاتجاه تاثيرا
خاصا في استحصال التحليل الذي لايدع النص مخلقا او مطوياعلى نفسه دون الاستفادة بكل ما فيه من ايثار لفظة على اخرى او
حرف على آخر (59) ،ولعلاول من حفز على انتهاج هذا السبيل هو ابنعباس حينما قال: «اذا سالتموني عنغريب القرآن فالتمسوه في
الشعر، فان الشعر ديوان العرب (60) ».
وصف مجمل للتبيان
يقع التبيان في عشرة مجلدات ضخمة تحتوي على (5312) صفحة، وقدافتتح الشيخالطوسي تفسيره بمقدمة قصيرة اشار فيها الى
الاسباب التي دعته ان يكتب هذا التفسير،حيث قال:
ان الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب، اني لماجد احدا من اصحابنا -قديما وحديثا - من عمل كتابا يحتوي على
تفسير جميع القرآن، ويشتمل على فنونمعانيه، وانما سلك جماعة منهم في جميع مارواه ونقله وانتهى اليه في الكتب المرويةفي
الحديث، ولميتعرض احد منهم لاستيفاء ذلك وتفسير مايحتاج اليه، فوجدت منشرع في تفسير القرآن من علماء الامة، بين مطيل
في جميع معانيه، واستيعاب ماقيلفيه من فنونه كالطبري وغيره، وبين مقصر اقتصر على ذكر غريبه ومعاني الفاظه،
وسلكالباقون المتوسطون في ذلك مسلك ماقويت فيه منتهم، وتركوا مالامعرفة لهم به، فانالزجاج والفراء ومن اشبههما من
النحويين افرغوا وسعهم في الاعراب والتصريف،ومفضلبن سلمة وغيره استكثروا من علم اللغة واشتقاق الالفاظ، والمتكلمين
كابيعليالجبائي وغيره صرفوا همتهم الى مايتعلق بالمعاني الكلامية، ومنهم من اضاف الى ذلكالكلام في فنون علمه، فادخل فيه
مالايليق به من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاءكالبلخي وغيره، واصلح من سلك في ذلك مسلكا جميلا مقتصدا محمدبن
بحرابومسلم الاصفهاني وعليبن عيسي الرماني، فان كتابيهما اصلح ماصنف في هذاالمعنى، غير انهما اطالا الخطب فيه، واوردا فيه
كثيرا مما لايحتاج، وسمعت جماعة مناصحابنا - قديما وحديثا - يرغبون في كتاب مقتصد يجتمع على جميع فنون علمالقرآن من
القراءة والمعاني والاعراب والكلام على المتشابه والجواب عن مطاعنالملحدين فيه وانواع المبطلين كالمجبرة والمشبهة
والمجسمة وغيرهم، وذكرمايختص اصحابنا به من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحة مذاهبهم في اصولالديانات وفروعها (61) .
بناء على ذلك كتب الشيخ الطوسي تفسيره الذي يمكننا ان نصفه بما يلي:
1. من حيث المنهج استطاع المفسر ان ياتي بتفسير يعتمد على الاثر والمنقول كمايعتمد على المعقول، واعتماده الاثر كان يتم وفق
ضوابط ومعايير خاصة، اساسها النقدوالمحاكمة والترجيح وفي خصوص التفسير يشترط الطوسي مراعاة الادلة الصحيحةالعقلية
والشرعية، وبذلك رسم الخطوط العامة لهذا المنهج التفسيري الذي لميتجاوزهااثناء التفسير، بل ظل ملازما لها وملتزما بها في
تبيانه.
2. في بداية كل سورة يريد تفسيرها يشير الطوسي الى عدد آياتها وينبه الى الاختلافالحاصل بين القراء في العدد ان وجد.
ففي سورة الحج قال: «وهي ثمان وسبعون آية في الكوفي، وست في المدنيين،وخمس في المكي» (62) .
بينما اكد عدم وجود الخلاف في عدد آيات سورة الزخرف فقال: «وهي تسع وثمانونآية بلاخلاف» (63) .
وهكذا يعمل في بداية كل سورة.
3. ينبه المفسر الى المكي والمدني من الآيات في كل سورة، مع ذكر اسماء بعضالمفسرين وآراءهم بذلك.
ففي سورة المنافقون قال: «مدنية بلاخلاف، وهو قول ابن عباس وعطاء والضحاك» (64) .
وعن سورة عبس قال: «مكية في قول ابن عباس والضحاك (65) ».
كما يبين الشيخ الطوسي الاقوال المختلفة في كون الآيات مكية ام مدنية، كما في سورةالانفال حيث قال: «هذه السورة مدنية في
قول قتادة وابن عباس ومجاهد وعثمان»، وقال:«هي اول مانزل على النبيصلى الله عليه وآله»، وحكى عن ابن عباس انها مدنية الا
سبع آيات اولها «و انيمكر بك الذين كفروا» الى آخر سبع آيات بعدها (66) .
ومثل هذا الاختلاف بين المفسرين ذكره الطوسي عند تفسيره لسورة النحل فقال:
وهي مكية الا آية هي قوله «والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا».
وقال الشعبي: نزلت النحل كلها بمكة الا قوله «و ان عاقبتم»... الى آخرها.
وقال قتادة: من اول السورة الى قوله «كن فيكون» مكي والباقي مدني.
وقال مجاهد: اولها مكي وآخرها مدني (67) .
4. يشير المفسر في اوائل السور احيانا الى وجود النسخ او عدمه في السورة، فهو فيتفسيره لسورة السجدة قال: «ليس فيها ناسخ
ولامنسوخ (68) » ومثل ذلك قاله في تفسيرهلسورة الرعد (69) .
بينما نجده في سورة الاعراف يذكر اختلاف المفسرين حول وقوع النسخ فيها فيقول:
«وقال قوم: هي محكمة كلها، وقال آخرون: حرفان منها منسوخان»:
احدهما: قوله «خذ العفو» يريد من اموالهم وذلك قبل الزكاة.
والآخر: قوله «واعرض عن الجاهلين» نسخ بآية السيف (70) .
وقال قوم: ليس واحد منهما منسوخا، بل لكل منهما موضع والسيف له موضع».
وهنا قال الطوسي مرجحا للراي الثاني: «وهو الاقوى، لان النسخ يحتاج الى دليل (71) ».
5. يشرح المفسر آراء اللغويين والاختلافات الواردة في آرائهم، وقديرد على بعضها،ويرجح البعض الآخر، كما ويطرح رايا خاصا به
مخالفا بذلك كل الآراء المطروحة (72) وقديستعين الشيخ الطوسي بذكر الآراء اللغوية لكشف المقصود من الآية ولبيان
المعنىالمستودع فيها.
6. يذكر المفسر من الاعراب وآراء النحاة مايعينه على استيضاح معنى الآية، وفهمالمراد منها، وهو في هذا المجال يناقش آراء النحاة،
ويرد على بعضهم، وقديرجح آراءالبعض الآخر، كما يورد احيانا آراء خاصة به مما يؤكد قدرته العالية في هذا الباب (73) .
7. لايحظى الشعر عند الطوسي باهمية خاصة في تفسيره، وان اكثر من الاستشهاد به،كما وانه لايرقى لان يكون حجة لاثبات
حقيقة دينية، وانما يذكره لتاكيد المعنى، او تاييدالاستعمال لغوي ضمن السياق القرآني، وقدلايذكر اسماء الشعراء الذين يستشهد
بشعرهم،وربما يعود ذلك الى قلة اكتراثه بهم (74) .
8. استخدم عددا من الامثال مما قالته العرب في استيضاح بعض المعاني او المفاهيم،ولكنه لميكثر منها (75) .
9. اكثر من الحديثحول القراءات وبين آراء جمع من القراء والاختلاف في قراءتهمولكنه اجاز القراءة باي من القراءات المشهورة،
ولميعترض على واحدة منها (76) .
10. تخفف الشيخ الطوسي في تفسيره من البلاغة، ولميسهب في الكلام حولها، وربماكان يشير اليها احيانا دون عناية مشهودة،
ولماجد في التبيان ما يؤكد اهتمام المفسر بها، كماهو الحال في القراءة او اللغة والاعراب، وقد ذكرها في موارد معدودة كما في
تفسيره لقولهتعالى:
«ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين» (77) .
فقال:
والمكر وان كان قبيحا، فانما اضافه تعالى الى نفسه لمزاوجة الكلام، كما قال: «فمناعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم» (78) وليس باعتداء، وانما هو جزاء، وهذا احدوجوه البلاغة، لانه على اربعة اقسام:
احدها: المزاوجة نحو «ومكروا ومكر الله».
والثاني: المجانسة نحو قوله: «يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار» (79) بالنصب علىمجانسة الجواب للسؤال.
والثالث: المطابقة نحو قوله «ماذا انزل ربكم قالوا خيرا» (80) وبالنصب على مطابقة يتبعالجواب للسؤال.
والرابع: المقابلة نحو قوله: «وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن ان يفعلبها فاقرة». (81) و (82) .
11. استعان الشيخ الطوسي في تفسير الآيات بذكر آيات اخرى ليفسر بعضها بالبعضالآخر وفقا لمبدا تفسير القرآن بالقرآن (83) كما
واستفاد من السياق والنظم بين الآياتلاستجلاء الكثير من المعاني من خلال ربط الآيات القرآنية بما قبلها من آيات كريمات.
12. يكثر الشيخ الطوسي من ذكر آراء المفسرين، فيفند بعضها ويناقش يعضها الآخر،ليرد ما يرد عن بينة، ويقبل ما يقبل عن بينة،
وقد كانت الثقة العالية بالنفس تدعوه احيانا،لان يخالف جمهور المفسرين داعما رايه بالدليل والبرهان.
13. رد الشيخ الطوسي على اهل الكتاب وناقشهم في معتقداتهم، كما ناقش اصحابالمدارس الكلامية من الاسلاميين، واعترض
على الكثير من مقولاتهم، كما هو الحال فيرده على المعتزلة والاشاعرة والخوارج والمجبرة والمشبهة والمجسمة والقائلين
بانالمعارف ضرورية وما شاكلهم، كما ودافع بحماس منقطع النظير عن الامامية ومعتقداتهم (84) .
14. عند تفسيره للآية القرآنية كان يذكرها ثم يورد ما يتعلق بها من القراءة واسبابالنزول - ان وجدت - واللغة ومن ثم المعنى،
وهنا نورد هذا النموذج من تفسيره:
قوله تعالى:
«ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبنواسالوا الله من فضله ان الله
كان بكل شيء عليما» (85) .
القراءة:
قرا ابن كثير والكسائي (وسلوا) بغير همزة، وكذلك كلما كان امر للمواجهة (86) في جميعالقرآن، الباقون بالهمزة، ولميختلفوا في
«وليسالوا ما انفقوا» (87) ; لانه امر لغائب، قال ابوعليالفارسي: كلاهما جيد، ان ترك الهمزة او اثبتها (88) .
النزول:
وقيل في سبب نزول هذه الآية ان امسلمة قالت: يا رسولالله لانغزو مع الرجال ولنانصف الميراث، يا ليت كنا رجالا، فكنا نقاتل
معهم، فنزلت هذه الآية في قول مجاهد.وقال الزجاج: قال الرجال ليتنا كنا فضلنا في الآخرة على النساء، كما فضلنا عليهن فيالدنيا،
وبه قال السدي.
اللغة:
والتمني هو قول القائل: ليت كان كذا لما لم يكن، وليت لميكن كذا لما كان، وفي الناسمن قال: هو معنى في القلب، وقال الرماني:
هو ما يجب على جهة الاستمتاع به. ومنقال: هو معنى في القلب، قال: ليس هو من قبيل الشهوة، ولا من قبيل الارادة; لانالارادة
لاتتعلق الا بما يصح حدوثه، والتمني قد يتعلق بما مضى، والشهوة ايضاكالارادة في انها لاتتعلق بما مضى.
المعنى:
وظاهر الخطاب يقتضي تحريم تمني ما فضل الله به بعضنا على بعض، وقال الفراء: هوعلى جهة الندب والاستحباب، والاول هو
حقيقة التمني، والذي قلناه هو قول اكثرالمفسرين ووجه تحريم ذلك انه يدعو الى الحسد، وايضا فهو من دنايا الاخلاق، وايضافان
تمني الانسان لحال غيره، قد يؤدي الى تسخط ما قسم الله له، ولايجوز لاحد انيقول، ليت مال فلان لي، وانما يحسن ان يقول: ليت
مثله لي.
وقال البلخي: لايجوز للرجل ان يتمنى ان كان امراة، ولا للمراة ان تتمنى لو كانت رجلابخلاف ما فعل الله; لان الله لايفعل من
الاشياء الا ما هو اصلح، فيكون قد تمنى ما ليسباصلح، او ما يكون مفسدة، ويمكن ان يقال: ان ذلك يحسن بشرط ان لايكون مفسدة،
كما يقول في حسن السؤال سواء (89) .
ومثل هذا الطرح في التفسير نجده في اغلب صفحات التبيان عند تفسيره لآيات القرآنالكريم.
15. تجنب الطوسي التكرار الممل والاختصار المخل، وكذلك الاسهاب من غيرضرورة; وبهذا كان المفسر معتدلا مقتصدا في كل ما
طرح.
ويبقى الشيخ الطوسي احد اولئك الرواد في التفسير الذين اسدوا خدمة جلى لتوضيحمعاني الكتاب العزيز واستجلاء اسراره، وفي
ذلك يصرح ابوعلي الفضلبن الحسنالطبرسي (548)، الذي هو احد تلامذة الشيخ الطوسي وصاحب تفسير مجمعالبيان،
حيثيقول في معرض وصفه للتبيان:
انه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق، قد تضمن من المعانيالاسرار البديعة، واحتضن من الالفاظ اللغة
الوسيعة، ولميقتنع بتدوينها دون تبيينها،ولابتنميقها دون تحقيقها (90) .
وبهذا يكون التبيان اول محاولة تفسيرية كاملة عند الشيعة الامامية التي لازالت موضعتقدير العلماء واجلالهم.
تعليقات:
1) النحل (16) الآية 44.
2) مقدمة في اصول التفسير لابن تيمية، تحقيق عدنان زرزور، ص35، بيروت - مؤسسة الرسالة، 1972م، ط2.
3) البرهان فى علوم القرآن، تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم، ص15، بيروت - دار العرقه، 1972م، ط.
4) البقرة (2) الآية 187.
5) صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب قوله تعالى: «كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض».
6) تفسير الطبري، ج11، ص283، الآية: الانعام (6) 14.
7) حسن الامين، دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، ج11، ص65.
8) السيد ابوالقاسم الخوئي، البيان، ج1، ص278.
9) الدر المنثور، ج6، ص317، الآية: عبس (80) 31.
10) السيوطي، الاتقان، ج2، ص321.
11) محمد عبده، شرح نهج البلاغة، ج2، ص17، بيروت.
12) الزمخشري، الكشاف ج2، ص193.
13) ان الذى بين هذا الامام علىعليه السلام كما وضحت الروايات ذلك، انظر الدر المنثور، ج 6، ص 40.
14) ابن كثير، تفسير القران العظيم، ج3، ص445.
15) الذهبي، التفسير والمفسرون، ج1، ص99.
16) الشحات سيد زغلول، الاتجاهات الفكرية في التفسير، ص110.
17) الذهبي، التفسير والمفسرون، ج1، ص140.
18 و 19) وللشيعة الامامية آراء مخالفة لهذا الاتجاه.
20) السيد الخليل، نشاة التفسير في القرآن والكتب المقدسة، ص34.
21) الذهبي، التفسير والمفسرون، ج1، ص152.
22) محمود بسيوني فودة، التفسير ومناهجه في ضوء المذاهب الاسلامية، ص21.
23) السيد خليل، نشاة التفسير، ص54.
24) ابن خلدون، المقدمة، ص367; السيد خليل، نشاة التفسير، ص34.
25) الذهبي، التفسير والمفسرون، ج1، ص157.
26) السيوطي، الدر المنثور، ج1، ص3.
27) الطوسي، التبيان، ج1، ص3.
28) الحكيم، الاصول العامه للفقه المقارن، ص135.
29) الامينى، اعيان الشيعة، ج1، ص366.
30) نفس المصدر، ج1، ص366; الخوانساري، روضات الجنات، ج5، ص353.
31) الذهبي، التفسير والمفسرون، ج1، ص255.
32) نفس المصدر.
33) القاموس المحيط، فصل الراء باب الواو والباء.
34) الشحات زغلول، الاتجاهات الفكرية في التفسير، ص81.
35) نفس المصدر.
36) انظر سنن الترمذى، ابواب تفسير القرآن، باب ماجاء في الذي يفسر القرآن برايه.
37) ص (38) الآية 29.
38) محمد (47) الآية 24.
39) السيوطي، الاتقان، ج4، ص200.
40) الذهبي، التفسير والمفسرون، ج1، ص253 ومابعدها.
41) نفس المصدر، ص432 ومابعدها.
42) الشحات زغلول، الاتجاهات الفكرية في التفسير، ص184.
43) نفس المصدر.
44) شرح المفسرون من الامامية افكارهم في مسالة الصفات ورؤية الله وخلق.
القرآن والعدل والحسن والقبح والعصمة والتقية والرجعة، الى غير ذلك من المسائل.
المختلف عليها مع الفرق الاسلامية الاخرى.
45) علي سامي النشار، نشاة الفكر الفلسفي في الاسلام، ج1، ص229.
46) السيد خليل، نشاة التفسير، ص55.
47) الشحات زغلول، الاتجاهات الفكرية في التفسير، ص301.
48) نفس المصدر، ص317.
49) الشحات زغلول، الاتجاهات الفكرية في التفسيرص327.
50) عبدالقاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، وبيان الفرقة الناجية منهم، ص170.
51) نفس المصدر، ص181; مناهل العرفان للزرفاني، ج2، ص74 والآية: الحديد (57) 13.
52) الغزالي، فضائح الباطنية، تحقيق عبدالرحمن بدوي، ص55.
53) الغزالي، فضائح الباطنية، ص55 ومابعدها.
54) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص382.
55) البقرة (2) الآية 74.
56) نظامالدين النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج1، ص348.
57) السيد خليل، نشاة التفسير، ص58.
58) ابوعبيدة، مجاز القرآن، ج1، ص168.
59) السيد خليل، دراسات في القرآن، ص70.
60) القرطبي، الجامع لاحكام القرآن، ط2، ج1، ص24.
61) الطوسي، التبيان، ج1، ص2.
62) انظر التبيان، ج7، ص255.
63) نفس المصدر، ج9، ص177.
64) نفس المصدر، ج5، ص71.
65) نفس المصدر، ج6، ص357.
66) نفس المصدر، ج5، ص71.
67) نفس المصدر، ج6، ص357.
68) نفس المصدر، ج9، ص101.
69) نفس المصدر، ج6، ص211.
70) يريد بهاالآية5 منسورةالتوبة(9):«فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلواالمشركين حيثوجدتموهم وخذوهمواحصروهم واقعدوا
لهم كل مرصد».
71) انظر التبيان، ج4، ص340.
72) انظر صفحة 179 ومابعدها من هذه الرسالة.
73) انظر صفحة 195 ومابعدها من هذه الرسالة.
74) انظر صفحة 224 ومابعدها من هذه الرسالة.
75) انظر صفحة 222 ومابعدها من هذه الرسالة.
76) انظر صفحة 211 وما بعدها من هذه الرساله.
77) آلعمران(3)الآية 54.
78) البقرة(2) الآية194.
79) النور(24) الآية37.
80) النحل (16) الآية30.
81) القيامة(75) 22-25.
82) التبيان، ج2، ص476،
83) انظر صفحة 133 و ما بعدها من هذه الرسالة.
84) انظر الشيخ الطوسي وعقائده الامامية، ص279، وما بعدها من هذه الرسالة.
85) النساء(4) الآية32.
86) في المصدر للمواجه.
87) الممتحنة(60) الآية10.
88) في المصدر واثباتها.
89) الطوسي، التبيان، ج3، ص183.
90) الطبرسي. مجمعالبيان، ج1، ص10.
|