الفصل الثاني: الجانب العقلي في التبيان
ان معرفة الطرق التي يسلكها المفسر - اي مفسر - لتبيان المعنى المراد من النصالقرآني، تسهم مساهمة حادة وفعالة في
استيضاح منهجه في التفسير ومنحاه في استنطاقآيات الكتاب العزيز.
ولعل الحديثحول مسلكي الراي والاثر عند الشيخ الطوسي، والمحصلة النهائية التينستخلصها من طبيعة التفاعل القائم بين
المسلكين، والعلاقة الناشئة من خلال ربط احدهمابالآخر، سوف تسلط الاضواء على منهجية مفسرنا، وتعيننا بالتالي على تحديد
تلكالمنهجية، والتعرف على خصائصها ومميزاتها الاساسية; ولذلك جهدت في ان اعرضللجانب العقلي في التبيان بفصل خاص، ثم
خصصت الحديث في الفصل التالي للجانبالاثري من التفسير عند الطوسي، مبينا طريقته في تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير
القرآنبالسنة، بعدها تحدثت عن استخدام الشيخ الطوسي للجانب اللغوي في الكشف عن مدلولالآيات القرآنية ومعانيها،
والصفحات التالية في هذا الباب ستوضح منهج الطوسي فيالتفسير واسلوب تناوله للآيات القرآنية الكريمة وطريقته في التعامل
مع النص القرآنيلمعرفة معناه.
اكد الشيخ الطوسي على اهمية التفكر، واعتمد اسلوب النظر في فهم النصوص القرآنيةواستعمال العقل في معرفة آيات الله
واحكامه، وقد حفل التبيان بالعديد من الاشارات التيتنم عن المنهجية العقلية التي كان يتبعها مفسرنا في تصديه لتفسير آيات
الكتاب العزيزوالتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. موقف الطوسي من النظر والاستدلال في آيات الله
تبنى الشيخ الطوسي موقفا مؤيدا لاستخدام العقل والنظر في فهم امور الشريعة، وقداورد الكثير من الردود في تفسيره على الذين
يقولون بحرمة النظر، كما استدل بالقرآن علىصحة رايه القائل بضرورة النظر واعمال العقل، وهنا نورد بعض الامثلة التي امتلابها
تفسيرالتبيان منها:
مثال:
فى تفسيره للآية الكريمة:
«ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون» (1) .
قال الشيخ الطوسي:
والمثل ذكر سائر يدل على ان سبيل الثاني سبيل الاول، فذكر الله آدم بان انشاه من غيروالد، يدل على ان سبيل الثاني سبيل
الاول في باب الامكان والقدرة، وفي ذلك دلالةعلى بطلان قول من حرم النظر; لان الله تعالى احتجبه على المشركين، ولا يجوز
انيدلهم الا بما فيه دليل، فقياس خلق عيسى من غير ذكر كقياس خلق آدم، بل هو فيهاوجب; لانه في آدم من غير انثى ولا ذكر (2) .
مثال: وعند تفسيره لقوله تعالى:
«افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى امن يمشي سويا على صراط مستقيم» (3) .
قال الطوسي:
وفي الآية دلالة على وجوب النظر في الدين لانه تعالى ضرب المثل بالناظر في مايسلكه، حتى خلص الى الطريق المستقيم،
فمدحه بهذا، وذم التارك للنظر مكبا علىوجهه، لايثق بسلامة طريقه (4) .
مثال: وعند تفسيره لقوله تعالى:
«او لم ير الانسان ا نا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين» (5) .
قال الطوسي:
وفي الآية دلالة على صحة استعمال النظر; لان الله (تعالى) اقام الحجة على المشركينبقياس النشاة الثانية على النشاة الاولى; وانه
يلزم من اقر بالاولى ان يقر بالثانية (6) .
كما وقد تبنى الشيخ الطوسي مبدا الاخذ بالقياس العقلي واعتباره حجة، كما فيتفسيره لقوله تعالى:
«اليس ذ لك بقادر على ان يحيي الموتى» (7) .
فقال: وفي الآية دلالة على صحة القياس العقلي، وهو ان من قدر على احياء الانسانقادر على احيائه بعد الاماتة (8) .
وفي الوقت الذي نجد الشيخ الطوسي يدلل على صحة القياس العقلي، نجده لايقربصحة القياس في الشريعة، فيقول عند تفسيره
لقوله تعالى:
«...فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بايديهموايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الابصار» (9) .
ومن استدل بهذه الآية على صحة القياس في الشريعة فقد ابعد; لان الاعتبار ليس منالقياس في شيء وانما معناه الاتعاظ ولايليق
بهذا الموضع قياس في الشرع; لانه لو قالبعد قوله: (يخربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين) فقيسوا الارز على الحنطة لماكان
كلاما صحيحا، ولا يليق بما تقدم، وانما يليق بما تقدم الاتعاظ والانزجار عن مثلافعال القوم من الكفر بالله (10) .
2. رفضه للفكرة القائلة بان المعارف ضرورية
وقد استدل المفسر باسلوب عقلي رائع على القائلين بها وفند مزاعمهم، ومن ذلك قولهعند تفسيره للآية الكريمة:
«انما يامركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون» (11) .
فقال:
وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال: ان المعارف ضرورة; لانها لو كانت ضرورة لماجاز ان يدعوهم الى خلافها، كما لايدعوهم
الى خلاف ما هم مضطرون اليه من انالسماء فوقهم والارض تحتهم، وما جرى مجراه مما يعلم ضرورة (12) .
كما ورد الشيخ الطوسي على القائلين بان المعارف ضرورة عند تفسيره لقوله تعالى:
«و اذا ذكر الله وحده اشمازت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة» (13) .
فقال: «وفي قوله اشمازت قلوبهم دليل على فساد قول من يقول: المعارف ضرورة».
وقال الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى:
«و اذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله و الى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا او لوكان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون» (14) .
وفيها دلالة على وجوب المعرفة، وانها ليست ضرورية; لان الله تعالى بين الحجاجعليهم في هذه الآية، ليعرفوا صحة ما دعا الرسول
اليه، ولو كانوا يعرفون الحق ضرورةلميكونوا مقلدين لآبائهم، وكان يجب ان يكون آباؤهم ايضا عارفين ضرورة ولو كانواكذلك لماصح
الاخبار عنهم بانهم لايعلمون شيئا ولايهتدون، وانما نفى عنهم الاهتداءوالعلم معا، لان بينهما فرقا، وذلك ان الاهتداء لايكون الا عن
بيان وحجة (15) .
3. رفضه التقليد في اصول الدين
رفض الشيخ الطوسي التقليد في الامور الاعتقادية شانه في ذلك شان كل اتباعالمذهب الامامي القائل بعدم صحة الاعتقاد المبني
على التقليد والاتكال على تقليدالمربين او الآباء:
بل يجب على الانسان بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية ان يفحصويتامل في اصول اعتقاداته المسماة باصول الدين،
التي اهمها التوحيد والنبوة والامامةوالمعاد، ومن قلد آباءه او نحوهم في اعتقاده هذه الاصول فقد ارتكب شططا وزاغ عنالصراط
المستقيم، ولايكون معذورا ابدا (16) .
وقداكد الشيخ الطوسي رفضه التقليد في ثنايا تفسيره، ورد على القائلين به في اكثر منمناسبة، فهو عند تفسيره لقوله تعالى:
«انا وجدنا آباءنا على امة و انا على آثارهم مهتدون » (17) .
قال:
والتقليد قبيح بموجب العقل، لانه لو كان جائزا للزم فيه ان يكون الحق في الشيءونقيضه، فيكون عابد الوثن يقلد اسلافه، وكذلك
يقلد اسلافه اليهودي والنصرانيوالمجوسي، وكل فريق يعتقد ان الآخر على خطاوضلال، وهذا باطل بلاخلاف، فاذالابد من الرجوع
الى حجة عقل او كتاب منزل من قبل الله تعالى (18) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«و اذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاءاتقولون على الله ما لا تعلمون» (19) .
قال:
وفي الآية حجة على اصحاب المعارف واهل التقليد لانه ذم الفريقين، ولو كان الامرعلى مايقولون لماتوجه عليهما الذم (20) .
وفي تفسيره قوله تعالى:
«قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبعاهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون
بالآخرة وهم بربهم يعدلون» (21) .
قال:
معنى هذه الآية ان الحجاج بان الطريق الموصول الى صحة مذهبهم غير مسند ....؟ اذالميثبت من جهة حجة عقل ولاسمع، وما
لميصح ان يثبت من احد هذين الوجهين باطللامحالة (22) .
ثم يردف الطوسي قائلا:
وفي الآية دلالة على فساد التقليد; لانه لو كان التقليد جائزا لماطالب الله الكفار بالحجةعلى صحة مذهبهم، ولماكان عجزهم على
الاتيان بها دلالة على بطلان ما ذهبوا اليه (23) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون ا نكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا...» (24) .
قال الطوسي: «وفي الآية دلالة على فساد قول من يقول بالتقليد وتحريم النظروالحجاج».
وقدهاجم الشيخ الطوسي من يرفض المناظرة والحجاج في الدين والدعوة الى توحيدالله تعالى فقال:
اخبر الله تعالى ان الحجج التي ذكرها ابراهيم لقومه آتاها الله اياه، واعطاها اياه بمعنى انههداه لها، فانه احتجبها بامر الله ورضيها
منه وصوبه فيها، ولهذا جعلها حجة علىالكفار... وفي ذلك دلالة على صحة المحاجة والمناظرة في الدين والدعاء الى توحيدالله
والاحتجاج على الكافرين لانه تعالى مدح ذلك واستصوبه ومن حرم الحجاج فقدرد صريح القرآن (25) .
4. تاكيده على اهمية العقل واعتباره حجة
اكد الشيخ الطوسي من خلال تفسيره لآيات الكتاب العزيز على اهمية العقل واعتبارهالحجة الاقوى فيما يعتقد الانسان ويعتد به.
وهو مايراه الامامية، حيثيقولون:
ان عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون، كما فرضتعلينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي
معجزته (26) .
ومن هنا نجد الشيخ الطوسي يقول عند تفسيره الآية الكريمة:
«افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» (27) .
هذه الآية الكريمة تدل على اشياء:
احدها: على بطلان التقليد وصحة الاستدلال في اصول الدين; لانه حث ودعا الىالتدبر، وذلك لايكون الا بالفكر والنظر.
الثاني: يدل على فساد مذهب من زعم ان القرآن لايفهم معناه الا بتفسير الرسول منالحشوية والمجبرة لانه تعالى حث على تدبره
ليعملوا به (28) .
وعند تفسيره للآية الكريمة:
«رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاحكيما» (29) .
اكد الشيخ الطوسي على حجية العقل واهميته، فقال:
فاما من لميعلم من حاله ان له في انفاذ الرسل اليه لطفا فالحجة قائمة عليه بالعقل، وادلتهعلى توحيده وصفاته وعدله، ولو لمتقم
الحجة بالعقل ولاقامت الا بانفاذ الرسل لفسدذلك من وجهين:
احدهما: ان هدف الرسل لايمكن العلم به الا بعد تقدم العلم بالتوحيد والعدل، فان كانتالحجة لمتقم عليه بالعقل، فكيف الطريق
له الى معرفة النبيصلى الله عليه وآله وصدقه؟
والثاني: انه لو كانت الحجة لاتقوم الا بالرسول لاحتاج الرسول ايضا الى رسول آخر،حتى تقوم عليه الحجة، والكلام في رسوله
كالكلام في هذا الرسول، ويؤدي ذلك الىمالايتناهى، وذلك فاسد (30) .
ويصرح الشيخ الطوسي على ضرورة التدبر في القرآن الكريم فيقول عند تفسيره لقولهتعالى:
«افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها» (31) .
معناه افلايتدبرون القرآن بان يتفكروا فيه ويعتبروا به، ام على قلوبهم قفل يمنعهم منذلك تنبيها لهم على ان الامر بخلافه، وليس
عليها مايمنع من التدبر والتفكر والتدبر فيالنظر في موجب الامر وعاقبته وعلى ذلك دعاهم الى تدبر القرآن.
وفي ذلك حجة على بطلان قول من يقول: لايجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن الا بخبروسمع (32) .
وهذا مما يؤكد وبشكل جلي ان الشيخ الطوسي يتبنى منهجية عقلية في تفسيره، اضافةالى اعتماده على الماثور الصحيح.
5. وجود بعض الاشارات العلمية في تفسير التبيان
فقد تضمن التبيان على اشارات علمية تنم عن الروح العلمية التي اتسمتبها ثقافةالشيخ الطوسي، وتوحي بانتهاجه منهجا عقليا
منفتحا على ما في الكون من معارف وعلوم،ومن ذلك قبوله لفكرة كروية الارض.
فعند تفسيره لقوله تعالى: «الذي جعل لكم الارض فراشا» (33) .
قال:
واستدل ابوعلي الجبائي بهذه الآية، على ان الارض بسيطة ليست كرة، كما يقولالمنجمون والبلخي بان قال: جعلها فراشا، والفراش
البساط، بسط الله تعالى اياها،والكرة لاتكون مبسوطة، قال: والعقل ايضا يدل على بطلان قولهم; لان الارض لايجوزان تكون كروية
مع كون البحار فيها; لان الماء لايستقر الا فيما له جنبان يتساويان; لانالماء لايستقر فيه كاستقراره في الاواني، فلو كانت له ناحية في
البحر مستعلية علىالناحية الاخرى لصار الماء من الناحية المرتفعة الى الناحية المنخفضة، كما يصير كذلكاذا امتلا الاناء الذي فيه
الماء.
وهنا رد الشيخ الطوسي على الجبائي قائلا:
وهذا لايدل على ماقاله; لان قول من قال: الارض كروية، معناه ان لجميعها شكلالكرة (34) .
مثال آخر عند تفسيره لقوله تعالى:
«...ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم» (35) .
قال:
وقال الرماني:
السماوات غير الافلاك; لان الافلاك تتحرك وتدور، واما السماوات لاتتحرك ولاتدورلقوله تعالى: «ان الله يمسك السماوات والارض
ان تزولا» وهذا لبس; لانه يمتنع ان تكونالسماوات هي الافلاك، وان كانت متحركة; لان قوله تعالى: «يمسك السماوات والارض
انتزولا» معناه لاتزول عن مراكزها التي تدور عليها، ولولاامساكها لهوت...؟ بما فيها منالاعمالات سفلا (36) .
مثال ثالث:
لميستبعد الشيخ الطوسي فكرة نشوء السحاب من تبخر مياه الارض، ويتضح ذلك منتفسيره لقوله تعالى:
«...وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها...» (37) .
فقال في معرض طرحه لآراء المفسرين:
فان قيل: هل السحاب بخارات تصعد من الارض؟
قلنا: ذلك جائز لايقطع به، ولامانع ايضا من صحته من دليل عقل (38) .
6. موقف الشيخ الطوسي من عقائد الامامية
استطاع الشيخ الطوسي ان يدعم مذهبه الامامي بكل مااوتي من حول وقوة وقدرةعلمية ومنهج عقلي رصين مستفيدا من آيات
الكتاب العزيز لبيان صواب وجهات النظرالتي يؤمن بها الامامية في التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد وكل مايتصل بها
منفروع ومسائل كالتقية وعصمة النبيصلى الله عليه وآله والائمة والمتعة، وكذلك مسالة خلق القرآنوغيرها، وقددافع الشيخ
الطوسي عنها دفاعا متسما بالحماس والقناعة الثابتة، ورد كلالاشكالات والاقوال التي كانت تثار حول تلك المسائل، وبما يؤكد
منهجه المتطور وابداعهوالقدرة على المناظرة والحوار، فاعطى كل موضوع من موضوعات العقائد لدى الامامية مايستحقه من
الحديث، وكانت النزعة العقلية بارزة الى حد كبير في كل ماتحدث به الشيخالطوسي، وقدافردنا لموقف الشيخ الطوسي من عقائد
الامامية فصلا خاصا وبشيء منالتفصيل تحت عنوان (الشيخ الطوسي وعقائد الامامية).
7. ردوده على المفسرين ومناقشته لآرائهم
تعرض الشيخ الطوسي لآراء جملة من المفسرين، واشكل على الكثير من آرائهمواقوالهم التي عرضوها في تفاسيرهم، وقدتناول في
التبيان كلا من تفسير البلخي والطبريوالرماني والجبائي، وبين الاخطاء التي وقعوا فيها عند تفسيرهم لآيات القرآن الكريم،وردهم
ردا عقليا هادئا، وقديتضح لنا - من خلال متابعتنا لتصديه لهم - منهجه العقلي فيالتفسير حيث كان يعرض راي المفسر، ثم ياتي
عليه بالنقد فيسنده بالدليل والحجة، ثميعرض رايه مدعوما بالدليل والحجة ايضا.
وقدكان يعمد احيانا الى ترجيح راي لاحد المفسرين على آراء غيره، ويدعم الرايالذي يميل اليه بما يملكه من حجة ودليل، وبهذا
يكون الشيخ الطوسي قداتحف المكتبةالاسلامية بالعديد من الآراء التي قالها المفسرون القدامى، والتي لولاذكره لها لضاعت مع
ماضاع من تراث فكري وثقافي اسلامي، ولمنحصل على شيء منها بغير ذكره لها.
وهنا نورد بعضا من ردوده ومناقشاته لآراء جملة من المفسرين:
1. الطوسي والبلخي
رد الشيخ الطوسي على البلخي في مواضع كثيرة من التبيان نعرض بعضا منها: ففىتفسيره لقوله تعالى:
«...ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطانا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين منقبلنا...» (39) .
قال:
كان يجوز ان يؤاخذ الله العبد بما يفعله ناسيا او ساهيا، ولكن تفضل بالعفو في قوله تعالى«لا يكلف الله نفسا الا وسعها» (40) ، ذكر ذلك
البلخي وهذا غلط; لانه كما لميجز تكليففعله ولاتركه لميجز ان يؤاخذ به ولايشبه ذلك المتولد الذي لايصح تكليفه بعد وجودسببه
لانه لايجوز ان يتعمد سببه وليس كذلك مايفعله من جهة السهو والنسيان (41) .
وعند تفسيره لقوله تعالى: «و ان من امة الا خلا فيها نذير» (42) .
قال الطوسي:
واستدل ابوالقاسم البلخي بهذه الآية على ان العوض دائم بان قال: بين الله تعالى انهيحشر الحيوان كلها ويعوضها، فلوكان العوض
منقطعا لكان اذا اماتها استحقت اعواضااخر على الموت وذلك بتسلسل، فدل على انه دائم، وليس هذا بشيء; لانه يجوز انيميت الله
الحيوان على وجه لايدخل عليهم الالم، فلايستحقون عوضا ثانيا، فالاولى انيقول: ان دام تفضلا منه تعالى (43) .
وفي تفسيره لقوله تعالى:
«و الا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين» (44) .
قال الطوسي:
وقال البلخي: في الآية دلالة على انه لاينصرف احد عن المعصية الا بلطف الله عز وجل;لانه لو لميعلم ذلك لماصح خبره به، وليس
في الآية ما يدل على ذلك، بل فيها ما يدلعلى ان يوسف كان لطف، ولولاه لفعل المعصية، واما ان يدل على انه لا احد ينتهى
عنمعصية الا بلطف، فلا (45) .
وفي معرض تفسيره لقوله تعالى: «ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فيالارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما
تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير» (46) .
قال الطوسي:
وسال البلخي نفسه فقال: اذا قلتم: ان من اعتقد الشيء على ما هو به تقليدا او تخمينا اوتنجيما يكون عالما، فلو ان الانسان اعتقد ان
امراة تلد ذكرا او انثى او رجلا يموت فيبلد بعينه، ويكسب في الغد كذا، فوافق ذلك اعتقاده فيجب ان يكون عالما،
ويبطلالاختصاص في الآية.
واجاب: «ان ذلك وان كان جائزا فانه لايقع لظاهر الآية».
فرده الطوسي بقوله:
وهذا غيرصحيح; لان من المعلوم ضرورة ان الانسان يخبر شيئا فيعتقده فيكون علىمااعتقد من هذه الاشياء الخمسة، وانما لايكون
علما; لانه لاتسكن نفسه الى ذلك، فاماالمنع من وقوعه فمعلوم خلافه (47) .
2. الطوسي والطبري
كما رد الشيخ الطوسي في التبيان على الطبري وآرائه في التفسير ومن ذلك نذكر ماياتي:
قال الشيخ الطوسي عند تفسيره للآية الكريمة:
«ان الذين كفروا سوآء عليهم ء انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون» (48) .
وقال ابنعباس: نزلت في قوم باعيانهم من احبار اليهود ذكرهم باعيانهم من اليهودالذين حول المدينة، وقال قوم: نزلت في
مشركي العرب. واختار الطبري قول ابنعباسوالذي نقوله: انه لابد ان تكون الآية مخصوصة; لان حملها على العموم غيرممكن;
لاناعلمنا ان في الكفار من يؤمن، فلايمكن العموم، واما القطع على واحد مما قالوه فلادليلعليه (49) .
وقد لايرد الشيخ الطوسي احيانا بنفسه على الطبري، وانما يكتفي بذكر ما رده به غيرهمن المفسرين، كما هو الحال في تفسير قوله
تعالى:
«و اذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون» (50) .
فقال الطوسي:
وقال الاخفش وعد باتمام اربعين ليلة او انقضاء اربعين ليلة كقولك:
اليوم اربعون يوما منذ خرج فلان واليوم يومان; اي تمام يومين.
وقال الطبري: لايجوز ماقاله الاخفش; لانه خلاف ظاهر التلاوة وماجاءت به الرواية.
وهنا نجد الشيخ الطوسي يتبنى رايا للرماني ويستشهد به للرد على ماقاله الطبري فيرده على الاخفش فيقول مفسرنا:
قال الرماني: في هذا - اي راي الطبري - غلط ظاهر، ان الوعد لايتصل وقوعه فيالاربعين كلها، اذا كان الوعد هو الاخبار الموعود
بما فيه النفع، فلميكن ذلك الخبر فياول تلك المدة، فلايدل على ذلك ان يكون التقدير على ماقاله الاخفش، او على وعدناهاقامة
اربعين ليلة للمناجاة او غيبته اربعين ليلة من قومه للمناجاة، وما اشبه ذلك منالتقدير (51) .
ورد الطوسي رايا للطبري كان قد اورده عند تفسيره لقوله تعالى:
«ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها» (52) .
فقال: وقال ابنزيد والبلخي والجبائي والرماني: المراد به مشركي العرب، وضعف هذاالوجه الطبري من بين المفسرين بان قال: ان
مشركي قريش لميسعوا قط في تخريبمسجد الحرام، وهذا ليس بشيء; لان عمارة المساجد بالصلاة فيها، وخرابها بالمنع منالصلاة
فيها (53) .
ورد عليه ايضا عند مروره على ذكر الشهادة في قوله تعالى:
«...ولا ياب الشهداء اذا ما دعوا...» (54) .
فقال وهو يعرض الآراء التي قيلت فيها:
الثالث في رواية عن ابنعباس والحسن وابي عبداللهعليه السلام لاقامتها واثباتها، وهو اعمفائدة.
وقال الطبري: لايجوز اذا دعوا لاقامتها; لان قبل ان يشهدوا لايوصفون بانهم شهداء،وهذا باطل; لانه تعالى قال: «واستشهدوا
شهيدين من رجالكم» فسماهما شاهدين قبلاقامة الشهادة (55) .
ورد الشيخ الطوسي في موضع آخر على الطبري وهو يفسر قوله تعالى:
«ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون» (56) .
فقال:
وقال الطبري: انه لايجوز تاويل من قال: ان تقبل توبتهم عند حضور موتهم.
قال: لانه لاخلاف بين الامة، ان الكافر اذا اسلم قبل موته بطرفة عين في ان حكمه حكمالاسلام في وجوب الصلاة عليه ومواريثه
ودفنه في مقابر المسلمين واجراء جميعاحكام الاسلام عليه، ولو كان اسلامه غيرصحيح لماجاز ذلك.
وهنا رد الشيخ الطوسي عليه بقوله:
وهذا الذي قاله ليس بصحيح; لانه لايمتنع ان تتعبد باجراء احكام الاسلام عليه، وانكان اسلامه على وجه من الالجاء لايثبت معه
استحقاق الثواب عليه، كما انا تعبدناباجراء احكام الاسلام على المنافقين وان كانوا كفارا. وانما لميجز قبول التوبة في حالالالجاء اليه
لان فعل الملجا كفعل المكره في سقوط الحمد والذم، (57) وقدقال الله تعالى:
«وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الآن» (58) .
3. الشيخ الطوسي والرماني
وقدتصدى الشيخ الطوسي للرد على الرماني في آرائه التي كان يتبناها، ومن ذلك نوردالامثلة التالية:
قال الرماني: النسخ الرفع لشيء قدكان يلزمه العمل به الى بدل، وذلك كنسخ الشمسبالظل; لانه يصير بدلا منها في مكانها.
فرد الطوسي عليه بقوله:
وهذا ليس بصحيح; لانه ينتقض بمن تلزمه الصلاة قائما، ثم يعجز عن القيام فانه يسقطعنه القيام لعجزه، ولايسمى العجز ناسخا
ولاالقيام منسوخا وينتقض بمن يستبيحبحكم العقل عند من قال بالاباحة، فاذا ورد الشرع بحظره لايقال الشرع نسخ حكمالعقل،
ولاحكم العقل يوصف بانه منسوخ (59) .
واعترض الطوسي على فصل الرماني بين العلم والمعرفة بان قال:
المعرفة هي التي يتبين بها الشيء من غيره على جهة التفصيل، والعلم قديتميز به الشيءعن طريق الجملة دون التفصيل كعلمك
بان زيدا في جملة العشرة، وان لمتعرفه بعينهوان فصلتبين الجملة التي هو فيها والجملة التي ليس هو فيها.
فاعترضه الشيخ الطوسي قائلا:
وهذا غير صحيح، لان المعرفة ايضا قديتميز بها الشيء على طريق الجملة، فلافرقبينهما (60) .
كما خطا الشيخ الطوسي الرماني عند تفسيره لقوله تعالى:
«و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم» (61) .
حيثيقول:
ومعنى اله: انه يحق له العبادة، وغلط الرماني، فقال: هو المستحق للعبادة، ولو كان كماقال لماكان تعالى الها فيما لميزل; لانه
لميفعل مايستحق به العبادة، ومعنى ماقلناه: انهقادر على ما اذا فعله استحق به العبادة (62) .
كما اننا نجد الشيخ الطوسي في موضع آخر يرد على الرماني حين اشكل على البلخيوهو يقول: «لايجوز الوعد والوعيد بغير شرط;
لان فيه ياسا من الايمان او الكفر، وذلكبمنزلة الصد عنه».
وقال الرماني:
وهذا لايصح من قبل ان السورة قددلت على معنى الوعد من غير شرط يوجب الشك،فلوكان في قطع الوعيد باس بمنزلة الصد عن
الايمان لكان في قطع الوعد بامانمايوجب الاتكال عليه دون مايلزم من الاجتهاد، والذي يخرجه من ذلك ان العقاب مناجل الكفر
كما ان الثواب من اجل الايمان.
فرد الشيخ الطوسي على الرماني قائلا:
وهذا ليس بشيء، لان للبلخي ان يشرط الوعد بالثواب بانتفاء مايبطله من الكبائر، كماانه شرط الوعيد بالعقاب بانتفاء مايزيله من
التوبة فقد سوى بين الامرين (63) .
كما اعترض الشيخ الطوسي على الرماني وهو يتحدث عن قبح الجهل فقال:
وقال الرماني: انما يكون قبيحا - يعني الجهل - اذا وقع عن تعمد، فاما اذا وقع غلطا اوسهوا لميكن قبيحا ولاحسنا.
فرد عليه الطوسي بقوله:
وهذا ليس بصحيح; لان استحقاق الذم عليه يشرط بالعمد فاما قبحه فلاكما نقوله فيالظلم سواء (64) .
4. الشيخ الطوسي والجبائي
هذا وقداكثر الشيخ الطوسي من ردوده واعتراضاته على الجبائي، وهو يطرح آراءه فيجملة من المسائل المختلفة، نذكر هنا بعضها:
في مسالة صاحب موسى قال الجبائي:
لايجوز ان يكون صاحب موسى الخضر; لان خضرا كان من الانبياء الذين بعثهم الله منبني اسرائيل بعد موسى.
قال: ولايجوز ايضا ان يبقى الخضر الى وقتنا هذا، كما يقوله من لايدري; لانه لانبي بعدنبينا; ولانه لو كان لعرفه الناس ولميخف
مكانه.
وقد رد عليه مفسرنا بقوله:
وهذا الذي ذكره ليس بصحيح; لانا نعلم اولا ان خضرا كان نبيا، ولو ثبت ذلك لميمتنعان يبقى الى وقتنا هذا; لان تبقيته في مقدور
الله تعالى، ولايؤدي الى انه نبي بعد نبينا; لاننبوته كانت ثابتة قبل نبينا، وشرعه - ان كان شرعا خاصا - فانه منسوخ بشرع
نبيناصلى الله عليه وآله،وان كان يدعو الى شرع موسىعليه السلام، او من تقدم من الانبياء، فان جميعه منسوخ بشرعنبيناصلى الله
عليه وآله، فلايؤدي ذلك الى ما قال، وقوله لو كان باقيا لرؤي ولعرف غيرصحيح، لانهلايمتنع ان يكون بحيث لايتعرف الى احد
منهم، وان شاهدوه لايعرفونه (65) .
وفي تفسيره لقوله تعالى:
«وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة وما اغني عنكم من الله منشيء» (66) .
اعترض شيخنا الطوسي على الجبائي عندما قال:
انه خاف عليهم حسد الناس لهم، وان يبلغ الملك قوتهم وشدة بطشهم، فيقتلهم خوفاعلى ملكه، وانكر العين وقال: لمتثبتبحجة،
وانما هو شيء يقوله الجهال العامة.
فرد الطوسي عليه قائلا:
والذي قال غيرصحيح في امر العين، بل غير منكر ان يكون ما قال المفسرون صحيحا،وقدروي عن النبيصلى الله عليه وآله انه قال:
«العين حق» وانه عوذ الحسن والحسينعليهما السلام، فقال فيعوذته: «واعيذ كما من كل عين لامة»، وقدرويت فيه اخبار كثيرة،
وقدجرت العادةبه (67) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيي هذه الله بعد موتها فاماتهالله مئة عام ثم بعثه...» (68) .
قال:
وقوله «فاماته الله مائة عام ثم بعثه» قال ابوعلي: لايجوز ان يكون الذي اماته ثم احياه نبيا;لان الله تعالى عجب منه، ولولا ذلك لجاز
ان يكون نبيا على انه شك في ذلك قبل البلوغلحال التكليف، ثم نبئ فيما بعده، وعلى هذا لايمنع ان يكون نبيا في ماتقدم،
والاولاقوى واقرب، ويجوز هذه الآية ان تكون في غير زمان نبي.
وقال الجبائي: لايجوز ذلك; لان المعجزات لاتجوز الا على الانبياء; لانها دالة عليهمفلو وقعت المعجزة في غير زمن نبي لميكن
وقوعها دليلا على النبوة، وهذا ليسبصحيح عندنا - لان المعجزات تدل على صدق من ظهرت على يده، وربما كان نبيا،وربما كان
اماما او وليا لله (69) .
كما ورد الشيخ الطوسي على مجاهد لقوله: ان الحد كفارة.
فقال مفسرنا:
وهذا غيرصحيح; لان الله (تعالى) دل على معنى الامر بالتوبة وانما يتوب المذنب منذنبه، والحد من فعل غيره، وايضا فمتى كان
مصرا كان اقامة الحد عليه عقوبة، والعقوبةلاتكفر الخطيئة، كما لايستحق بها الثواب (70) .
وخطا الشيخ الطوسي راي السدي عند تفسيره لقوله تعالى:
«واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم» (71) .
فقال:
وقوله «واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم» فيه وجوه:
احدهما: ماقال قتادة وابوالعالية: واشربوا في قلوبهم حب العجل.
وقال السدي: لمارجع موسى الى قومه اخذ العجل الذي وجدهم عاكفين عليه فذبحه،ثم حرقه بالمبرد، ثم ذراه في اليم، فلميبق
بحر يجري يومئذ الا وقع فيه شيء منه، ثمقال: اشربوا فشربوا، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب.
ثم قال الشيخ الطوسي:
والاول عليه اكثر محصلي المفسرين وهو الصحيح; لان الماء لايقال فيه: اشرب منهفلان في قلبه وانما يقال ذلك في حب الشيء (72) .
5. مناقشته لاهل الكتاب والفرق الاسلامية
اسهب الشيخ الطوسي في مناقشته مع اليهود والنصارى واظهر ما هم عليه من تناقضواختلاف، كما ورد على الكثير من آراء الفرق
والمذاهب الاسلامية المختلفة كالمعتزلةوالاشاعرة والخوارج والمجبرة والمفوضة والمشبهة وغيرهم، وقداتسعت ردودهواشكالاته
التي اوردها عليهم بالصراحة والموضوعية والدقة العلمية التي اظهر فيها مفسرناقدرة فائقة في المحاججة والمناظرة والحوار
باسلوب علمي ومنهج عقلائي رائع يتجلىللقارئ من خلاله كفاءة الشيخ العلمية ومنهجه الرصين الذي لايدع مجالا امام
الخصمفلايقوى معه على الرد ولايملك بعدها الا الاذعان والاقرار ومن ذلك:
رده على ماادعاه اليهود والنصارى ووصمهم بالتناقض فقال في تفسيره للآية الكريمة«وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا قل بل ملة
ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين» (73) .
روي عن عبداللهبن عباس، انه قال:
قال عبداللهبن صوريا الاعور لرسول اللهصلى الله عليه وآله: ما الهدى الا ما نحن عليه، فاتبعنا يامحمدتهتد، وقالت النصارى مثل
ذلك، فانزل الله تعالى: «وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا».
فقال الشيخ الطوسي:
وكان في اليهودية والنصرانية تناقض وذلك لايكون من عند الله فصارت ملة ابراهيماحق بالاتباع من غيرها.
والتناقض في اليهودية مثل منحهم من جواز النسخ مما في التوارة، وفي التوراة ما يدلعلى جواز ذلك، وامتناعهم من العمل بما
تقدمتبه البشارة في التوراة من اتباع النبيالامي، مع اظهارهم التمسك بها وامتناعهم من الاذعان; لمادلت عليه المعجزة من
نبوةمحمدصلى الله عليه وآله، مع اقرارهم بنبوة موسى من اجل المعجزة الى غير ذلك من انواع التناقض (74) .
واما النصارى فقد قالوا: اب وابن وروح قدوس اله واحد مع زعمهم ان الاب ليس هوالابن وان الاب اله والابن اله وروح القدس اله،
فاذا قيل لهم قولوا ثلاثة آلهة امتنعوا منذلك، الى مايصفون به الباري تعالى مما يوجب الحاجة والحدث، ويقولون مع ذلك: انهقديم
لميزل، الى غير ذلك من مناقضاتهم التي لاتحصى (75) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«قل اتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ونحن لهمخلصون» (76) .
قال:
وكانت محاجتهم لهصلى الله عليه وآله انهم زعموا انهم اولى بالحق; لانهم راسخون في العلم وفيالدين; ولتقدم النبوة فيهم،
والكتاب، فهم اولى بان يكون الرسول منهم... وغرضهم بذلكالاحتجاج بان الدين ينبغى ان يلتمس من جهتهم، وان النبوة اولى ان
تكون فيهم، وليسالامر على ماظنوا; لان «الله اعلم حيثيجعل رسالته» (77) .
ومن الذي يقوم باعبائها ويتحملها على وجه يكون اصلح للخلق واولى بتدبيرهم (78) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السموات والارض كل له قانتون» (79) .
قال:
وفي هذه الآية دلالة على انه لايجوز للولد على وجه من الوجوه; لانه اذا كان جميع مافي السماوات والارض ملكا له، فالمسيح عبد
مربوب، وكذلك الملائكة المقربون; لانالولد لايكون الا من جنس الوالد ولايكون المفعول من جنس الفاعل، وكل جسم فعللله
فلامثل ولانظير على وجه من الوجوه (80) .
وعند تفسيره للآية الكريمة:
«ان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم» (81) .
قال الطوسي:
وفي الآية حجة على النصارى بما قال له المسيح مما يقرون به انه في الانجيل من نحوهذا الكلام لان فيه (اذهب الى الهي والهكم)
كقوله هاهنا: «ان الله ربي وربكم» (82) .
في تفسيره لقوله تعالى:
«اني اريد ان تبوء باثمي و اثمك فتكون من اصحاب النار وذ لك جزاء الظالمين» (83) .
قال الطوسي:
وفي الآية دلالة على ان الوعيد بالنار قدكان في زمن آدم بخلاف ما يدعيه جماعة مناليهود والنصارى (84) .
من كل هذا تبين لنا امور عدة كان الشيخ المفسر يمتازبها في تفسيره منها:
1. سعة اطلاعه على ما في كتب اهل الكتاب من اليهود والنصارى، حيث كان يقارن مافيها مع ما في القرآن الكريم، ويحتج عليهم
بما احتوته كتبهم، حتى اصبح يرد اهل الانجيلبانجيلهم واهل التوراة بتوراتهم.
2. تمكنه من المحاججة والمناظرة بالدرجة التي لايترك للخصم فرصة الدفاع بها عنآرائه، وياتي عليها وفق اسس منطقية مثبتة،
فينسفها نسفا، ويقيم عليها الحجة، ويدعم رايهبالدليل القاطع الذي لاينكره الا مكابر او معاند.
3. استخدامه للاسلوب العقلي في المناقشة والحجاج، الامر الذي يفحم فيه الخصمولايقوى معه على الرد.
كل هذه المميزات جعلت من الشيخ الطوسي جديرا بان يتربع على كرسي الكلام فيبغداد، ومن ثم مدافعا عن مذهبه وآرائه
ومعتقداته، واذا ما حرم الشيخ الطوسي من المناظرةمع الخصوم مشافهة بسبب الفتن الطائفية التي عصفتبه في مركز الخلافة،
فانه قدوجد لهفي التبيان متنفسا لعرض آرائه وافكاره، وسبيلا للدفاع عن مذهبه ومعتقداته، لذلك جاءتفسيره مشحونا بروح
المناظرة والجدل العلمي الرفيع; ليناقش من يرى ضرورة مناقشتهمن اصحاب الديانات الاخرى، او حتى المنتمين للفرق
الاسلامية المختفلة، بل والملحدينوالكفار ايضا.
وقدرد الشيخ الطوسي على المجسمة الذين قالوا: ان الوجه في خلق الله للكرسي انيجلس عليه فقال:
انه عز وجل يتعالى عن ذلك، لان ذلك من صفات الاجسام، ولواحتاج الى الجلوسعليه لكان جسما ومحدثا وقدثبت قدمه (85) .
كمافند مزاعم الغلاة الذين تعلقوا بقوله تعالى:
«وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى» (86) فزعموا ان الله حال بمحمدصلى الله عليه وآله.
فقالوا: لماقال «ولكن الله رمى» - وكان النبي هو الرامي - دل ذلك على انه الله تعالى،فرد عليهم الطوسي معنفا، ووصفهم بالجهل
وقلة المعرفة بوجوه الكلام فقال:
لو كان ماقالوه لكان الكلام متناقضا; لانه خطاب للنبيصلى الله عليه وآله بانه لميرم، فان كان هو اللهتعالى فالى من توجه الخطاب؟
وان توجه اليه الخطاب دل على ان الله غيره، وايضا فاذا كان هو الله فقد نفى عنه الرمي،فاذا اضافه الى الله بعد ذلك كان متناقضا،
على انه قددلت الادلة العقلية على ان الله ليسبجسم، ولاحال في جسم، فبطل قول من قال: ان الله حل في محمدصلى الله عليه
وآله (87) .
وقدرد الشيخ الطوسي على المشبهة الذين قالوا: ان معنى قوله تعالى:
«اذ وقفوا على ربهم» (88) انهم يشاهدونه، فقال مفسرنا:
وهذا فاسد; لان المشاهدة لاتجوز الا على الاجسام او على ما هو حال في الاجساموقدثبتحدوث ذلك اجمع، فلايجوز ان يكون
تعالى بصفة ما هو محدث.
ثم قال:
وقدبينا ان المراد بذلك: وقوفهم على عذاب ربهم وثوابه وعلمهم بصدق ما اخبرهم بهفي دار الدنيا دون ان يكون المراد به رؤيته
تعالى ومشاهدته، فبطل ما ظنوه (89) .
واستدل الشيخ الطوسي بقوله تعالى: «الله احد» على فساد مذهب المجسمة قائلا بانالجسم ليس باحد، اذ هو اجزاء كثيرة، وقددل
الله بهذا القول على انه احد; فصح انه ليسبجسم (90) .
وانكر الشيخ الطوسي على الخوارج قولهم: ان مرتكب الكبيرة كافر، فقال عند تفسيرهلقوله تعالى:
«فانذرتكم نارا تلظى لا يصلاها الا الاشقى الذي كذب وتولى» (91) .
الانذار بنار هذه صفتها وهي درك مخصوص من ادراك جهنم، فهي تختص بهذا المتوعدالذي كذب بآيات الله وجحد توحيده «و
تولى» عنها بان لمينظر فيها، او رجع عنها بعد انكان نظر فيها، فصار مرتدا. والثاني محذوف لماصحبه من دليل الآي الاخر، كانه
قالومن جرى مجراه ممن عصى، فعلى هذا لامتعلق للخوارج في ان مرتكب الكبيرةكافر (92) .
كما واعترض الشيخ الطوسي على التناسخية الذين استدلوا بقوله تعالى:
«وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم» (93) ليقولوا ان البهائموالطيور مكلفة، فرد الشيخ قائلا:
وهذا باطل; لانا قدبينا من اي وجه قال: انها «امم امثالكم» ولو وجب حملها على العموملوجب ان تكون امثالنا في كونها ناسا وفي
مثل صورنا واخلاقنا فمتى قالوا لميقلامثالنا في كل شيء؟ قلنا: وكذلك الامتحان والتكليف، على انهم مقرون بان الاطفالغير
مكلفين ولاممتحنين، فما يحملون به امتحان الصبيان بعينه نحمل بمثله امتحانالبهائم، وكيف يصح تكليف البهائم والطيور، وهي
غير عاقلة، والتكليف لايصح الا لعاقل، على ان الصبيان اعقل من البهائم، ومع هذا فليسوا مكلفين، فكيف يصح تكليفالبهائم؟ (94) .
وقدتصدى الشيخ الطوسي للمعتزلة، وناقشهم في الآراء التي يختلفون فيها معالامامية، ودحض ادلتهم التي اقاموها ليستدلوا بها
على بعض آرائهم، وبين وجوه الخطا فيمتبنياتهم باسلوب عقلي ينم عن روح علمية نزيهة موضوعية متناهية، حيث لاينكر
عليهمشيئا الا بدليل، ولايعرض رايا الا ويدعمه بحجة من القرآن او العقل، فقال عند تفسيرهلقوله تعالى:
«ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين» (95) .
واستدلت المعتزلة بهذه الآية على ان فاسق اهل الصلاة مخلد في النار ومعاقبلامحالة.
فرد الشيخ الطوسي قائلا:
وهذا لادلالة لهم فيه من وجوه; لان قوله « ويتعد حدوده » اشارة الى من يتعد جميع حدودالله ، ومن كان كذلك فعندنا يكون كافرا ،
وايضا فلاخلاف ان الآية مخصوصة بصاحبالصغيرة ، وان كان فعل المعصية ، وتعدى حدا ، فانه خارج منها ، فان جاز لهم
اخراجالصغيرة منها بدليل جاز لنا ان نخرج من يتفضل الله عليه بالعفو ، او يشفع فيه النبيصلى الله عليه وآله ،وايضا ، فان التائب
لابد من اخراجه من هذه الآية ، لقيام الادلة على وجوب قبولالتوبة ، فكذلك يجب ان يشترط من يتفضل الله باسقاط عقابه ، فان
قالوا : قبول التوبةواجب ، والعفو ليس بواجب ، قلنا : قبول التوبة واجب وان حصلت ، وكذلك سقوطالعقاب واجب اذا حصل العفو ،
فان قالوا : يجوز ان لايختار الله العفو ، قلنا : وكذلك يجوزان لايختار العاصي التوبة ، فان جعلوا الآية دالة على ان الله لايختار العفو ،
جاز لغيرهمان يجعل الآية دالة على ان العاصي لايختار التوبة على ان هذه الآية معارضة بآياتكثيرة في وقوع العفو كقوله : « ويغفر
ما دون ذ لك لمن يشاء » (96) وقوله « ان الله يغفر الذنوبجميعا » (97) وقوله: «و ان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم» (98) .
فان شرطوا في آياتنا التوبة شرطنا في آياتهم ارتفاع العفو (99) .
وفي هذه المناظرة تتجلى قدرة الشيخ الطوسي على الحوار العلمي الهادئ المتين الذييتلمس فيه الباحثسعة اطلاع المفسر
وقدرته في استخدام الدليل العقلي في البرهنةالسليمة الموفقة، واستشهاده بالنص القرآني الجلي الواضح الذي يعكس المنهج
العقليبكل ما فيه من عمق وواقعية واستيعاب اذ لم يترك امام محاوره بابا للاستدلال الا وسدهعليه بالحجة الدامغة والدليل
القاطع الذي لايملك معه الخصم الا الاذعان لمنطق الحق وقوةالدليل.
وعند تفسيره للآية الكريمة:
«الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهمولا هم يحزنون» (100) .
قال: وقال الرماني ومن تابعه من المعترلة: لايجب هذا الوعد اذا ارتكب صاحبها الكبيرةمن الجرم، كما لايجب ان ارتد عن الايمان
الى الكفر وانما يجب لمن اخلصها مما يفسقبها.
فرد الطوسي قائلا:
وهذا عندنا ليس بصحيح; لان القول بالاحباط باطل، ومفارقة الكبيرة بعد فعل الطاعةلاتحبط ثواب الطاعة بحال، وانما يستحق
بمعصيته العقاب ولله فيه المشيئة (101) .
كما واشكل الشيخ الطوسي على المعتزلة استدلالهم بالآية الكريمة:
«ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها...» (102) .
فقالوا بخلود مرتكب الكبيرة في النار، وانه اذا قتل مؤمنا فانه يستحق الخلود ولا يعفىهذه بظاهر اللفظ فاحتج عليهم الطوسي
بقوله:
وانا ان نقول: ما انكرتم ان يكون المراد بالآية الكفار ومن لاثواب له اصلا فاما من هومستحق للثواب، فلا يجوز ان يكون مرادا بالخلود
اصلا.
ثم اكد ذلك بقوله «وقد روي عن اصحابنا: ان الآية متوجهة الى من يقتل المؤمنلايمانه وذلك لايكون الا كافرا» (103) .
هذا وقد حضي المجبرة بالقسط الاوفر من ردود الشيخ الطوسي واشكالاته عليهمحيث كان مرة يفند مزاعمهم ويدحض اقاويلهم
ويسقط ما في ايديهم، فقال عند تفسيرهللآية الكريمة:
«شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكمالشهر فليصمه ومن كان مريضا او على
سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكمالعسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون» (104) .
وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة من ثلاثة وجوه:
احدهما: قوله «هدى للناس» فعم بذلك كل انسان مكلف، وهم يقولون ليس يهدي الكفار.
الثاني: قوله تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» والمجبرة تقول: قد اراد تكليفالعبد ما لايطيق مما لميعطه عليه قدرة
ولايعطيه، ولا عسر اعسر من ذلك.
الثالث: لو ان الانسان حمل نفسه على المشقة التي يخاف معها التلف في الصوم لمرضشديد لكان عاصيا ولكان قد حمل نفسه على
العسر الذي اخبر الله: انه لايريده بالعبد،والمجبرة تزعم ان كل ما يكون من العبد من كفر او عسر او غير ذلك من انواع الفعليريده
الله (105) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوتيخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك
اصحاب النار هم فيها خالدون» (106) .
قال الطوسي:
وفي الآية دليل على فساد قول المجبرة في المخلوق والارادة لانه تعالى نسب الاخراجمن نور الهدى الى ظلمة الكفر والضلال الى
الطاغوت منكرا لتلك الحال، ولميكن لينكرشيئا اراده ولايغيب شيئا عنه فعله تعالى الله عن ذلك (107) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«والله لا يحب الظالمين» (108) .
قال المفسر:
وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة في ان الله تعالى يريد الظلم; لانه قال: «لايحب الظالمين» واذا لميحب الظالم لميحب
فعل الظلم; لانه انما لميجز محبة الظالملظلمه (109) .
وعند تفسيره للآية الكريمة:
«هل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحقفهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد
فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ماكانوا يفترون» (110) .
قال مفسرنا:
وفي الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة من وجهين:
احدهما: انهم كانوا قادرين على الايمان في الدنيا، فلذلك طلبوا تلك الحال، ولولميكونوا قادرين لما طلبوا الرد الى الدنيا والى مثل
حالهم الاولى.
والآخر: بطلان مذهب المجبرة في تكليف اهل الآخرة... وهو خلاف القرآن والاجماع،ولو كانوا مكلفين لما طلبوا الرجوع الى الدنيا;
ليؤمنوا، بل كانوا يؤمنون في الحال (111) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«كلا انها تذكرة فمن شاء ذكره» (112) .
قال الطوسي:
وقواه «فمن شاء ذكره» دليل على بطلان مذهب المجبرة في ان القدرة مع العقل، وانالمؤمن لاقدرة له على الكفر، وان الكافر لايقدر
على الايمان; لانه تعالى بين ان من شاءان يذكره ذكره; لانه قادر عليه (113) .
ولميكتف الشيخ الطوسي بالرد على اصحاب الآراء من اتباع الفرق والمذاهبالاسلامية المختلفة، وكذلك اهل الكتاب، وانما حاور
الملحدين ايضا، وابطل مزاعمهمفلنستمع اليه يقول:
وقصة اصحاب الفيل من الادلة الواضحة والحجج اللائحة على الملحدين ومن انكرالصانع; لانه لايمكن نسب ذلك الى طبيعة
ولاموجب، وكما تاولوا الزلازل والرياحوالخسوف وغير ذلك مما اهلك الله به الامم; لانه ليس في الطبيعة اقبال طير باحجار،وتقصد
اقواما دون غيرهم حتى تهلكهم بما ترميهم به، ولاتعدى الى غيرهم، بل ذلك مناوضح الادلة على انه من فعل الله تعالى، وليس
لاحد ان يضعف ذلك، وينكر الخبر به;لان النبيصلى الله عليه وآله لما قرا على اهل مكة هذه السورة، كانوا قريبي العهد بالفيل، فلو
لميكنكذلك، ولميكن له اصل لانكروه، فكيف وهم ارخوا به كما ارخوا بنيان الكعبة وموتقصي وغيره؟ وقد نظم الشعراء في قصة
الفيل الشعر ونقلته الرواة، فلايمكن جحد ذلكلانه مكابرة (114) .
ومثل هذه اللفتات الذكية نجدها مبثوثة في تفسير الشيخ الطوسي، ويزدحم بها تبيانهمما يؤكد انتهاجه نهجا عقليا متميزا في
التفسير، حيث ترك هذا السلوك العقلي اثرا واضحاعلى صفحات التبيان، وما زخرت به بحوثه تشكل بمجموعها منهجا عقليا بحث
المفسر فيهعن الحقيقة، وظل ينشد مصاديقها، ويتحرى الادلة عليها ليحاور ويناقش من يختلف معهفي الراي بروية وهدوء وانضباط
مما يدلل على ثقة المفسر بنفسه وقوة الحجة التييمتلكها، الامر الذي اضفى على تفسير التبيان صيغة موضوعية ومسحة عقلية
تركتبصماتها الواضحة في ذهن كل من طالع التبيان وتدبر بحوثه، فاستحق بذلك الشيخ الطوسيكل ما حصل عليه من
مديحوثناء واطراء، اذ استطاع وبجدارة ان يسهم في عملية تطويرالتفسير والانتقال به من التقليد والانشداد للاثر والرواية الى حيث
التدبر والنزعة العقلية، معالاخذ بالحديث الصحيح المعتبر، فتمكن من ان يجمع ما في المنهجين (النقلي والعقلي) منمزايا و
محاسن.
تعليقات:
1) آلعمران(3) الآية59.
2) الطوسي، التبيان، ج2، ص482.
3) الملك (67) الآية22.
4) الطوسي، التبيان، ج10، ص68و69.
5) يس(36) الآية77.
6) الطوسي، التبيان، ج8، ص418.
7) القيامة(75) الآية40.
8) الطوسي، التبيان، ج10، ص203.
9) الحشر (59) الآية2.
10) الطوسي، التبيان، ج9، ص558.
11) البقرة(2) الآية169.
12) الطوسي، التبيان، ج2، ص74.
13) الزمر (39) الآية45.
14) المائدة (5) الآية104.
15) الطوسي، التبيان ج4، ص39 - 40.
16) المظفر، عقائد الامامية، ص32.
17) الزخرف (43) الآية 23.
18) الطوسي، التبيان، ج9، ص190.
19) الاعراف (7) الآية 28.
20) الطوسي، التبيان، ج4، ص383.
21) الانعام (6) الآية 150.
22) الطوسي، التبيان، ج4، ص312.
23) نفس المصدر، ص313.
24) الانعام (6) الآية 81.
25) الطوسي، التبيان، ج4، ص192.
26) المظفر، عقائد الامامية، ص31.
27) النساء (4) الآية 82.
28) الطوسي، التبيان، ج3، ص270.
29) النساء (4) الآية 165.
30) الطوسي، التبيان، ج3، ص395.
31) محمد (47) الآية 24.
32) الطوسي، التبيان، ج9، ص301.
33) البقرة (2) الآية 22.
34) الطوسي، التبيان، ج1، ص103.
35) البقرة (2) الآية 29.
36) الطوسي، التبيان، ج1، ص127.
37) البقرة (2) الآية 164.
38) الطوسي، التبيان، ج2، ص58.
39) البقره (2) الآية 286.
40) البقرة (2) الآية 286.
41) الطوسي، التبيان، ج2، ص385 و386.
42) فاطر (35) الآية 24.
43) الطوسي، التبيان، ج4، ص130.
44) يوسف (12) الآية 33.
45) الطوسي، التبيان، ج6، ص135.
46) لقمان (31) الآية 34.
47) الطوسي، التبيان، ج8، ص260، 261.
48) البقره (2) الآية 6.
49) الطوسي، التبيان، ج1، ص61.
50) البقرة (2) الآية 51.
51) الطوسي، التبيان، ج1، ص233.
52) البقرة (2) الآية 114.
53) الطوسي، التبيان، ج1، ص416.
54) البقرة (2) الآية 282.
55) الطوسي، التبيان، ج2، الآية: البقرة (2) 228.
56) ال عمران (3) الآية 90.
57) الطوسي، التبيان، ج2، ص527.
58) النساء (4) الآية 18.
59) الطوسي، التبيان، ج1، ص393.
60) الطوسي، التبيان، ج2، ص21،22.
61) البقرة (2) الآية 163.
62) الطوسي، التبيان، ج2، ص53.
63) نفس المصدر، ج2، ص406.
64) نفس المصدر، ص496.
65) الطوسي، التبيان ج7، ص73.
66) يوسف (12) الآية 67.
67) الطوسي، التبيان، ج6، ص167.
68) البقرة (2) الآية 259.
69) الطوسي، التبيان، ج2، ص323.
70) الطوسي، التبيان، ج3، ص516.
71) البقرة (2) الآية 93.
72) الطوسي، التبيان، ج1، ص354.
73) البقرة (2) الآية 135.
74) الطوسي، التبيان، ج1، ص479.
75) الطوسي، التبيان، ج1، ص479.
76) البقرة (2) الآية 139.
77) الانعام (6) الآية 124.
78) الطوسي، التبيان، ج1، ص487.
79) البقرة (2) الآية 116.
80) الطوسي، التبيان، ج1، ص427.
81) آل عمران (3) الآية 51.
82) الطوسي، التبيان، ج2، ص472.
83) المائدة (5) الآية 29.
84) الطوسي، التبيان، ج3، ص496.
85) الطوسي، التبيان، ج2، ص310.
86) الانفال (8) الآية 17.
87) الطوسى، التبيان، ج 5، ص 93.
88) الانعام (6) الآية 30.
89) الطوسي، التبيان، ج4، ص113.
90) الطوسي، التبيان، ج 10، ص430.
91) الليل (92) الآيات 14، 15، 16.
92) الطوسي، التبيان، ج10، ص366.
93) الانعام (6) الآية 38.
94) الطوسي، التبيان، ج4، ص129، 130.
95) النساء (4) الآية 14.
96) النساء (4) الآية 48.
97) الزمر (39) الآية 53.
98) الرعد (13) الآية 6.
99) الطوسي، التبيان، ج3، ص141.
100) البقرة (2) الآية 274.
101) الطوسي، التبيان، ج2، ص273،274.
102) النساء(4) الآية93.
103) الطوسي، التبيان، ج3، ص295.
104) البقرة(2) الآية185.
105) الطوسي، التبيان، ج2، ص125،126.
106) البقرة(2) الآية185.
107) الطوسي، التبيان، ج2، ص315.
108) آلعمران(3) الآية57.
109) الطوسي، التبيان، ج2، ص480.
110) الاعراف(7) الآية52.
111) الطوسي، التبيان، ج4، ص420،421.
112) عبس(80) الآيات 11و12.
113) الطوسي، التبيان، ج10، ص271.
114) الطوسي، التبيان، ج10، ص411.
|