الباب الثالث: علوم القرآن والعقائد

الفصل الاول: الشيخ الطوسي وعلوم القرآن

النسخ في القرآن الكريم

يطلق النسخ لغة على:

. النقل، فقدجاء في لسان العرب:

نسخ الشي‏ء ينسخه نسخا وانتسخه واستنسخه اكتتبه عن معارضه، النسخ اكتتابك كتاباعن كتاب حرفا بحرف، والاصل نسخه والمكتوب عنه نسخه; لانه قام مقامه، ومن ذلك‏قوله تعالى: «انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون‏» (1) اي نستنسخ ماتكتب الحفظة من الملائكة‏الكرام فيثبت عندالله (2) .

. الابطال، فقدجاء في اللسان:

النسخ: ابطال الشي‏ء واقامة آخر مقامه ومن ذلك قوله تعالى: «ما ننسخ من آية او ننسها نات‏بخير منها او مثلها» (3) .

والعرب تقول، نسخت الشمس الظل وانتسخته ازالته، والمعنى اذهبت الظل وحلت‏محله.

ومن الابطال مايقال: نسخت الريح آثار الديار، اي غيرتها، وابطلتها وازالتها، وهو رفع‏الحكم وابطاله من غير ان يقيم له بدلا (4) .

وقدكانت لفظة النسخ تعني عند الصحابة والتابعين مطلق التغيير الذي يطرا على بعض‏الاحكام، سواء رفعها وحل محلها، او خص مافيها من عموم، او قيد مافيها من اطلاق،وامثالها من اساليب البيان (5) .

ثم جاء المفسرون فيما بعد ليجعلوا كلمة النسخ تعني مايشمل التخصيص والتقييدوالاستثناء وترك العمل بالحكم لانتهاء امده، او لتغيير ظرفه، او تبدل موضوعه‏وغيرها (6) .

النسخ في الاصطلاح:

اصطلح الاصوليون على النسخ بانه رفع الحكم الشرعى بدليل شرعي متاخر، وبهذا فان‏النسخ يعني رفع حكم النص بعد ان يكون ثابتا (7) .

«وانه ليس لاحد ان ينكر على الشارع او يرفض قوله بالنسخ (8)

وقداتفق جمع من العلماء على جواز النسخ عقلا وسمعا ، اذ لامحظور فيه عقلا ، ولولم‏يكن جائزا عقلا وواقعا لماجوز المنكرون له ان يامر الشارع عباده بامر مؤقت‏ينتهي‏بانتهاء وقته. وكذلك لو لم يكن النسخ جائزا لكانت الشرائع الاولى باقية، ولو كانت‏باقية‏ماثبتت رسالة سيدنا محمدصلى الله عليه وآله الى الناس كافة (9) وقدنص القرآن الكريم على وجود النسخ،فقال تعالى: «ما ننسخ من آية او ننسها نات بخير منها او مثلها» (10) وقال ايضا «يمحو الله ما يشاءويثبت وعنده ام الكتاب‏» (11) وقوله تعالى: «و اذا بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالواانما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون‏» (12) .

والتبديل هنا يتالف من رفع الاصل واثبات البدل، وذلك هو النسخ سواءا كان المرفوع‏تلاوة ام حكما.

وهناك من يرفض النسخ ويستنكر وقوعه في القرآن الكريم، ومنهم المفسر ابو مسلم‏بن‏بحر (ت 372ه ) حيث‏يقول الفخر الرازي: «اتفق الجمهور على وقوع النسخ في القرآن‏الكريم وقال ابو مسلم‏بن بحر: انه لم‏يقع‏» (13) مستندا في ذلك الى قوله تعالى: «لاياتيه الباطل‏من بين يديه و لامن خلفه تنزيل من حكيم حميد» وشبهته في الاستدلال ان هذه الآية تفيد بان‏احكام القرآن لاتبطل ابدا، والنسخ فيه ابطال لحكم سابق (14) ، ولعل هذا التاويل بعيد عن‏ظاهر الآية التي تفيد بان احكام القرآن موافقة للعقل، وان اخباره مطابقة للواقع، والفاظه‏محفوظة من التغيير والتبديل، ولربما يكون هذا المعنى اقرب الى اثبات النسخ ووقوعه منه‏الى نفيه وامتناعه; لان النسخ تصرف الهي حكيم تقتضيه الحكمة، وترتبط به المصلحة (15) .

وقد اجمعت الامامية على ان الحكم الثابت في القرآن ينسخ بآية اخرى، فمرة تكون‏هذه الآية «الناسخة‏» ناظرة الى الحكم المنسوخ ومبينة لرفعه، ومرة اخرى تكون الآية‏الناسخة غير ناظرة الى الحكم المنسوخ، وانما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم‏بان الآية المتاخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة (16) .

اما السنة فهي لاتنسخ القرآن سواءا كانت متواترة او آحادا وذلك لان مثل هذا النسخ‏مخالفا للاخبار المتواترة بعرض الاخبار على الكتاب وطرح ماخالفه والرجوع اليه (17) .

والى هذا الراي يذهب الامام الشافعي ايضا فيقول:

انما نسخ مانسخ من الكتاب بالكتاب وان السنة لاناسخة للكتاب، وانما هي تبع‏الكتاب بمثل مانزل نصا ومفسرة معنى ماانزل الله منه جملا (18) .

في حين اجاز الجمهور نسخ الكتاب بالسنة (19) ، وان اجمعوا على ان خبر الواحد لاينسخ‏القرآن باعتبار ان الظني لايقاوم القطعي فيبطله، (20) ويرى الشيخ الطوسي ان النسخ في القرآن‏لايخلو من ثلاثة اقسام (21) :

احدها: نسخ حكمه دون لفظه كآية العدة في المتوفى عنها زوجها المتضمنة للسنة فان‏الحكم منسوخ والتلاوة باقية، وذلك في قوله تعالى: «والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجايتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في انفسهن بالمعروف‏والله بما تعملون خبير» (22) وهذه الآية ناسخة (23) لقوله تعالى: «والذين يتوفون منكم ويذرون‏ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول غير اخراج‏» (24) وكذلك الحال في آية النجوى حيث‏قوله تعالى: «يا ايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة‏» (25) .

يقول الشيخ الطوسي:

فنسخ الله تعالى ذلك الحكم بالآية التي بعدها (26) ، فقال ناسخا لهذا الحكم «ا اشفقتم ان‏تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فاذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلوة وآتوا الزكاة...» (27) .

وكذلك وجوب ثبات الواحد للعشرة في حالة الحرب كما في قوله تعالى «يا ا يها النبي حرض‏المؤمنين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين و ان يكن منكم مائة يغلبوا الفا من‏الذين كفروا با نهم قوم لا يفقهون‏» (28) وقدنسخت هذه الآية بما بعدها، حيث‏يقول تعالى:«الآن خفف‏الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين و ان يكن منكم الف يغلبوا الفين‏باذن الله والله مع الصابرين‏» (29) .

يقول الشيخ المفسر:

هذه الآية نسخت‏حكم ماتقدمها، لان في الاولى كان وجوب ثبات الواحد للعشرة‏والعشرة للمائة، فلما علم الله تعالى ان ذلك يتسق عليهم، وتغيرت المصلحة في ذلك،نقلهم الى ثبات الواحد للاثنين والمائة للمائتين، فخفف ذلك عنهم، وهو قول ابن عباس‏والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد والسدي وعطاء والبلخي والجبائي والرماني وجميع‏المفسرين (30) .

ومن كل ماتقدم يكون الحكم مرتفعا ومنسوخا بينما التلاوة باقية، وهذا يبطل قول من‏منع جواز النسخ في القرآن، لان الموجود بخلافه (31) .

الثاني: مانسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم، فان وجوب الرجم على المحصنة لاخلاف‏فيه، والآية التي كانت متضمنة له منسوخة بلاخلاف، وهي قوله: (والشيخ والشيخة اذازنيا فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيزحكيم) (32) .

الثالث: مانسخ لفظه وحكمه:

وذلك نحو مارواه المخالفون عن عائشة: انه كان فيما انزل الله ان عشر رضعات تحرمن،ونسخ ذلك بخمس عشرة، فنسخت التلاوة والحكم (33) .

وهكذا يوضح الشيخ الطوسي ان النوع الثالث من النسخ والمتضمن نسخ اللفظ والحكم‏لاوجود له في القرآن. وهذا يتضح من ايراده لعبارة مارواه المخالفون، وكانه يشنع بهم من‏خلال مارووه. حين يقولون: «ونسخ ذلك بخمس عشرة‏» وهو مالايحتويه الكتاب العزيزاصلا فيدحض بذلك زعمهم وينفي وقوع مثل هذا النسخ في القرآن الكريم، كما وانه قدذكرعبارة قبل هذا يقول فيها: «ولايخلو النسخ في القرآن من اقسام ثلاثة‏» (34) ثم ذكرها ليبين‏للقارئ ان بعض هذه الانواع قديرد في القرآن، وان بعضها قدلايصح ولايرد كما هو الحال‏في النوع الثالث من الانواع التي ذكرها.

ويؤكد الشيخ الطوسي ان القرآن لاينسخ بحديث لائمة اهل البيت‏عليه السلام وذلك في معرض‏رده على البلخي الذي يقول في كتاب التفسير:

قال قوم - ليسوا ممن يعتبرون ولكنهم من الامة على حال - ان الائمة المنصوص عليهم‏بزعمهم مفوض اليهم نسخ القرآن وتدبيره... .

فيرد عليه مفسرنا بقوله:

واظن انه - يعني البلخي - عنى بهذا اصحابنا الامامية لانه ليس في الامة من يقول‏بالنص على الائمة‏عليهم السلام سواهم، فان كان عناهم فجميع ماحكاه عنهم باطل وكذب‏عليهم; لانهم لايجيزون النسخ على احد من الائمة‏عليهم السلام ولا احد منهم يقول بحدوث‏العلم (35) .

والشيخ الطوسي يخالف بعض المفسرين احيانا في قولهم بنسخ بعض الآيات الكريمة‏ففي قوله تعالى: «ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه و انه لفسق و ان الشياطين ليوحون الى‏اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعتموهم انكم لمشركون‏» (36) .

يقول مفسرنا: «ليست الآية منسوخة ولاشي‏ء منها، ومن ادعى نسخ شي‏ء منها فعليه‏الدلالة‏»، ثم يردف قائلا:

فان الحسن وعكرمة: نسخ منها ذبائح الذين اوتوا الكتاب بقوله تعالى: «وطعام الذين اوتواالكتاب حل لكم‏» (37) وعندنا ان ذلك مخصوص بالحبوب دون الذبائح.

ثم يدعم الشيخ الطوسي رايه بما قاله غيره في هذا المجال فيقول:

وقال قوم: ليس اهل الكتاب داخلين في جملة من يذكر اسم الله على ذبيحته وليس‏واحدا من هؤلاء معنيا بالآية فلايحتاج الى النسخ (38) .

كما ورد الشيخ الطوسي على ابن عباس قوله:

ان قوله تعالى: «وقولوا للناس‏حسنا» (39) ، نسخ بقوله: قاتلوهم حتى يقولوا لااله الا الله او يقروابالجزية (40) والصحيح انها ليست منسوخة ولكن امروا بان يقولوا حسنا في الاحتجاج‏عليهم اذا دعوا الى الايمان وبين ذلك لهم، وقال قتادة نسختها آية السيف والصحيح انهاليست منسوخة، وانما امر الله تعالى بالقول الحسن في الدعاء اليه والاحتجاج عليه، كماقال تعالى لنبيه‏صلى الله عليه وآله:

«ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن‏» (41) .

وبين في آية اخرى فقال:

«ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم‏» (42) .

وليس الامر بالقتال ناسخا لذلك; لان كل واحد منهما ثابت في موضعه (43) .

وهكذا نجد الشيخ الطوسي ملما الماما واسعا في هذا الميدان حتى انه لايدع قولا من‏اقوال المفسرين الا وحاكمه وتعمق فيه لذلك نجده يتفق مع طائفة منهم في راي ويخالف‏طائفة اخرى في آراء، مما يعكس سعة اطلاعه ودقة ملاحظته وتمرسه في كتاب الله وآياته‏حتى عرف ناسخها ومنسوخها، وكان سلاحه في كل راي يطرحه هو الدليل القاطع والحجة‏الدامغة، وقدشخص الآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن الكريم، وثبت ذلك في تفسيره‏وانكر على الكثير من المفسرين قولهم بنسخ بعض آيات الكتاب التي كان لايرى نسخهاوفند مزاعمهم.

اسباب النزول

لمعرفة اسباب النزول اهمية كبرى في فهم النص القرآني وفي تحديد المراد من آيات‏الكتاب العزيز.

قال الواحدي:

اذ هي - يعني اسباب النزول - اوفى مايجب الوقوف عليها واولى ماتصرف العناية اليها;لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها (44) .

وقدتاتي اهمية معرفة اسباب النزول للآيات القرآنية الكريمة بلحاظ كون القرآن‏قدنزل قسم منه عقب واقعة او سؤال، والقسم الآخر نزل ابتداء (45) .

ولذلك اشار ابن دقيق العبد الى هذا المعنى بقوله: «ان بيان سبب النزول طريق قوي في‏فهم معاني القرآن‏» (46) .

وهذا مااكده ابن تيمية حينما قال: «ان معرفة سبب النزول يعني على فهم الآية فان‏العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب‏» (47) ومفسرنا - كغيره من المفسرين اعطى هذا الموضوع‏اهمية خاصة، حيث اشار الى سبب النزول، وذكر آراء العلماء والمفسرين فيها، وكان يرجح‏مايطمئن اليه عندما يذكر للمفسرين اكثر من سبب في نزول آية ما، وقدغطى موضوع‏اسباب النزول صفحات عديدة من تفسيره التبيان، نورد هنا بعض الامثلة على ذلك منهاقوله في سبب نزول الآية الكريمة:

«لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من‏العذاب ولهم عذاب اليم‏» (48) قال:

وروي عن ابن عباس وسعيد ان الآية نزلت في اليهود، حيث كانوا يفرحون باجلال‏الناس لهم ونسبهم اياهم الى العلم، وقال الضحاك والسدي: نزلت في اليهود حين فرحوابما اثبتوا من تكذيب النبي‏صلى الله عليه وآله.

وقال سعيدبن جبير: فرحوا بما اتى الله آل ابراهيم، وقال ابن عباس: ان النبي‏صلى الله عليه وآله سالهم‏عن شي‏ء فكتموه، ففرحوا بكتمانهم; واقوى هذه الاقوال ان يكون قوله: «لا تحسبن الذين‏يفرحون‏» يعني بها من اخبر الله عنهم انه اخذ ميثاقهم; ليبين للناس امر محمدصلى الله عليه وآله‏ولايكتمونه; لان قوله «لا تحسبن الذين يفرحون‏» في سياق الخبر عنهم وشبيه قصتهم، مع‏ان اكثر اهل التاويل عليه (49) .

وهكذا نجد الشيخ الطوسي يطرح جملة آراء لعدد من المفسرين ثم يتبنى رايا آخرويصفه بالاقوى ومن ذلك قوله تعالى:

«وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله و ما انزل اليكم و ماانزل اليهم خاشعين‏لله لايشترون‏بآيات الله ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان‏الله سريع الحساب‏» (50) .

قال الشيخ الطوسي:

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية، فقال جابربن عبدالله وسعيدبن المسيب وقتادة‏وابن‏جريح: ان النبي‏صلى الله عليه وآله لما بلغه موت النجاشي دعا له واستغفر له وصلى عليه، وقال‏للمؤمنين صلوا عليه فقالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم؟

وقال قوم منافقون: نصلي على علج‏بنجران؟ فنزلت هذه الآية وكانت‏الصفات التي فيهاصفات النجاشي.

وقال ابن زيد وفي رواية عن ابن جريج وابن اسحاق انها نزلت في جماعة من اليهودوكانوا اسلموا، منهم عبدالله‏بن سلام ومن معه.

وقال مجاهد: انها نزلت في كل من اسلم من اهل الكتاب من اليهود والنصارى وهو اولى‏لانه عموم الآية، ولادليل يقطع به على ماقالوه على انها لونزلت في النجاشي او من ذكرلم‏يمنع ذلك من حملها على عمومها في كل من اسلم من اهل الكتاب لان الآية قدتنزل‏على سبب وتكون عامة في كل من تتناوله (51) .

وهنا يتضح لنا انسجام الشيخ الطوسي في الموقف مع القاعدة الاصولية المعروفة(العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب) لذلك نراه يميل الى ان المراد من الآية اعلاه هوعموم اللفظ، لان ماورد من شان النزول لايوجب قصد الحكم على الواقعة فالمورد عنده‏لايخص الوارد، لان البيان عام والتعليل مطلق اذ المدح النازل في حق افراد من المؤمنين،او الذم النازل في حق افراد آخرين معلل بوجود صفات فيهم، لايمكن قصرها على شخص‏مورد النزول، مع وجود عين تلك الصفات في قوم آخرين.

والطوسي بهذا يتفق مع جملة من العلماء والمفسرين في هذا المجال فقدذهب ابن‏تيمية الى القول بان الناس وان تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه؟فلم‏يقل احد من علماء المسلمين: ان عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعني‏واما غاية مايقال: انها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم مايشبهه (52) والذي عليه الشيخ‏الطوسي في العمل بقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب) يسمى الجري وهومقبول لدى مفسري الامامية جلهم وقداخذ لفظ الجري من مجموعة احاديث مروية عن‏ائمة اهل البيت منها ماقاله الامام محمد الباقرعليه السلام:

ولو ان الآية اذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لمابقي من القرآن شي‏ء،ولكن القرآن يجري اوله على آخره مادامت السماوات والارض ولكل قوم آية يتلونها[و]هم منها من خير او شر (53) .

وقوله(ع) ايضا:

ظهره: - يعني القرآن - تنزيله، وبطنه: تاويله، منه مامضى، ومنه مالم‏يكن بعد، يجري كمايجري الشمس والقمر، كلما جاء منه شي‏ء وقع (54) .

وقد درج اتباع المذهب الامامي على هذا الفهم وحتى المتاخرون منهم، فانهم يؤكدون‏ذلك تبعا لمنهج المدرسة الامامية التي ينتمون اليها ذلك لان آيات الكتاب لاتختص بموردجزئي تلك الآيات التي وردت في مورد خاص، وفسرت على ذلك الاساس فانها بصددبيان معنى عام يستفيد منه الجميع، وان المورد الذي نزلت فيه ليس في الحقيقة الا بعض‏مصاديق المفهوم القرآني... وذكر بعض موارد التنزيل لايوجب تخصيص الآية بذلك‏المورد (55) .

وعلى هذا النحو سار المفسرون المتاخرون كالسيد الطباطبائي صاحب الميزان حيث‏يقول في تفسيره:

ان للقرآن اتساعا من حيث انطباقه على المصاديق وبيان حالها فالآية منه لاتختص‏بمورد نزولها، بل يجري في كل مورد يتحد مع مورد النزول ملاكا، كالامثال التي‏لاتختص بمواردها الاول، بل تتعداها الى مايناسبها، وهذا المعنى هو المسمى بجري‏القرآن (56) .

وقديذكر الشيخ الطوسي احيانا اختلاف المفسرين في سبب نزول بعض الآيات‏ولم‏يرجح رايا لاحدهم، وانما يسرد ماذكروه جميعا دون ترجيح لاحدها، ولعل مرد ذلك‏الى استحسانه كل الوجوه والا لرد بعضها، ووافق بعضها الآخر، ولكنه سكت كما هو الحال‏في توضيحه لسبب نزول قوله تعالى:

«ام تريدون ان تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل‏سواء السبيل‏» (57) .

فقال:

اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فروي عن ابن عباس انه قال: قال رافع‏بن‏خزيمة ووهب‏بن زيد لرسول الله‏صلى الله عليه وآله: ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقراه، وفجر لناانهارا نتبعك ونصدقك، فانزل الله في ذلك من قولهما:

«ام تريدون ان تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل‏».

وقال الحسن: عنى بذلك المشركين من العرب لماسالوه فقالوا:

«او تاتي بالله والملائكة قبيلا» (58) وقالوا: «او نرى ربنا» (59) .

وقال السدي: سالت العرب محمداصلى الله عليه وآله ان ياتيهم بالله فيروه جهرة.

وقال مجاهد: سالت قريش محمدا ان يجعل لهم الصفا ذهبا، فقال: نعم هو لكم كالمائدة‏لبني اسرائيل، فابوا ورجعوا، وقال ابو علي: روي ان النبي‏صلى الله عليه وآله ساله قومه ان يجعل لهم‏ذات انواط كما كان للمشركين - ذات انواط: وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليهاالتمر وغيرها من الماكولات (60) .

كما ويذكر الشيخ الطوسي احيانا اختلافا وقع فيه المفسرون حول سبب النزول، وفيمن‏نزلت الآية، ويكتفي ايضا بسرد آرائهم دونما تعليق اورد او ترجيح، كما فعل في تفسيره‏لقوله تعالى:

«وقالت اليهود ليست النصارى على شي‏ء وقالت النصارى ليست اليهود على شي‏ء وهم‏يتلون الكتاب كذ لك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوافيه يختلفون‏» (61) .

فقال مفسرنا:

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فقال ابن عباس: انه لماقدم اهل نجران من النصارى على‏رسول الله‏صلى الله عليه وآله اتتهم احبار اليهود، فتنازعوا عند رسول الله‏صلى الله عليه وآله فقال رافع‏بن خويلد: ماانتم‏على شي‏ء وكفر بعيسى وبالانجيل، فقال رجل من اهل نجران من النصارى: ما انتم على‏شي‏ء وجحد بنبوة موسى وكفر بالتوراة فانزل الله في ذلك الآية الى قوله: «فيما كانوا فيه‏يختلفون‏».

وقال الربيع: هؤلاء اهل الكتاب الذين كانوا على رسول الله‏صلى الله عليه وآله (62) .

وبهذا القدر يكتفي الشيخ الطوسي دون ان يعلق بشي‏ء وكرر مثل هذا في بيانه بسبب‏نزول قوله تعالى:

«ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد» (63) .

فقال:

قال قتادة: نزلت هذه الآية في المهاجرين والانصار، وقال عكرمة:

نزلت في ابي‏ذر الغفاري وصهيب‏بن سهان لان اهل ابي‏ذر اخذوا اباذر فانفلت منهم‏فقدم على النبي‏صلى الله عليه وآله، فلمارجع مهاجرا عرضوا له، وكان بمر الظهران فانفلت ايضا منهم‏حتى قدم النبي‏صلى الله عليه وآله، فلمارجع مهاجرا عرضوا له فانفلت‏حتى نزل على النبي‏صلى الله عليه وآله. فاماصهيب فانه اخذه المشركون من اهله، فافتدى منهم بما له، ثم خرج مهاجرا، فادركه‏منقذ بن ظريف‏بن خدعان، فخرح له مما بقي من ماله وخلى سبيله.

وروي عن ابي جعفرعليه السلام يعني (محمد الباقر) انه قال: «نزلت في علي‏صلى الله عليه وآله حين بات على‏فراش رسول الله‏صلى الله عليه وآله لما ارادت قريش قتله حتى خرج رسول الله‏صلى الله عليه وآله وفات المشركين‏اغراضهم‏»، وبه قال عمربن شبه (64) .

كما نجد الشيخ الطوسي يتخذ مثل هذا الموقف عندما يتفق المفسرون والرواة على‏سبب نزول آيات الكتاب المجيد فيذكر رايهم الذي اتفقوا حوله، ولم‏يطرح رايا مغايرا،وذلك في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: «يا ا يها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الرباان كنتم مؤمنين » (65) .

فيقول:

ذكر السدي وابن جريج وعكرمة ان هذه الآية نزلت في بقية من الربا كانت للعباس‏ومسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة وبني عمرو بن عمير، وروي عن ابي الوليدبن‏المغيرة كان يربي في الجاهلية وكان بقي له بقايا على ثقيف، فاراد خالدبن الوليدالمطالبة بها بعد ان اسلم، فنزلت هذه الآية في المنع من ذلك (66) .

وكذلك نجد الشيخ الطوسي في‏مكان آخر يذكر سببا للنزول برواية جمع من الرواة‏والمفسرين، ولايذكر بعدهم شيئا; ليبين فيه رايه من يدلل على اتفاقه معهم في صحة‏السبب، وقدورد ذلك في سبب نزول قوله تعالى:

«الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح‏للذين احسنوا منهم واتقوا اجرعظيم‏» (67) .

قال:

ذكر ابن عباس والسدي وابن اسحاق وابن جريح وقتادة: ان سبب نزول هذه الآية ان‏اباسفيان صخربن حرب واصحابه لماانصرفوا عن احد ندموا، وقال بعضهم لبعض: لا محمدا قتلتم ولا الكواعب اردفتم، فارجعوا فاغيروا على المدينة واسبوا ذراريهم،وقيل: ان بعضهم قال لبعض: انكم قتلتم عدوكم حتى اذا لم‏يبق الا الشريد تركتموهم،ارجعوا فاستاصلوهم، فرجعوا الى حمراء الاسد وسمع بهم النبي‏صلى الله عليه وآله فدعا اصحابه الى‏الخروج وقال: لايخرج معنا الا من حضرنا امس للقتال، ومن تاخر عنا فلايخرج معنا، وروي انه‏صلى الله عليه وآله اذن لجابر وحده في الخروج وكان خلفه ابوه على بناته يقوم بهن، فاعتل‏بعضهم بان قال: بنا جراح وآلام فانزل الله تعالى:

«ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله‏» وقيل: نزلت فيهم ايضا «ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان‏تكونوا تالمون فانهم يالمون كما تالمون وترجون من الله ما لا يرجون‏» (68) ، ثم استجابوا على ما بهم‏الى اتباعهم، والقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا من غير حرب، وخرج‏المسلمون الى حمراء الاسد، وهي على ثمانية اميال من المدينة (69) .

ويتبنى الشيخ الطوسي احيانا رايا خاصا يخالف فيه كل الآراء التي وردت بخصوص‏نزول الآية، ويرد عليها، ومثال ذلك ماقاله في قوله تعالى: «ان الذين كفروا سوآء عليهم‏ء انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون‏» (70) .

قال شيخنا الطوسي:

نزلت في ابي جهل وفي خمسة من قومه من قيادة الاحزاب، قتلوا يوم بدر في قول‏الربيع‏بن انس، واختاره البلخي والمغربي، وقال ابن عباس: نزلت في قوم باعيانهم من‏احبار اليهود، وذكرهم باعيانهم من اليهود الذين حول المدينة، وقال قوم: نزلت في‏مشركي العرب، واختار الطبري قول ابن عباس، والذي نقوله:

انه لابد ان تكون الآية مخصوصة; لان حملها على العموم غير ممكن; لانا علمنا ان في‏الكفار من يؤمن، فلايمكن العموم، واما القطع على واحد مما قالوه فلادليل عليه (71) .

كما خالف الشيخ الطوسي جمع من المفسرين الذين قالوا: ان «عبس وتولى ان جاءه‏الاعمى‏» (72) كان المراد فيها النبي‏صلى الله عليه وآله حينما اقبل عليه ابن ام مكتوم، فقال مفسرنا:

قال كثير من المفسرين واهل الحشو: ان المراد به النبي‏صلى الله عليه وآله قالوا: وذلك ان النبي‏صلى الله عليه وآله كان‏معه جماعة من اشراف قومه ورؤسائهم قدخلا بهم، فاقبل ابن ام مكتوم ليسلم، فاعرض‏النبي‏صلى الله عليه وآله عنه كراهية ان تكره القوم اقباله عليه، فعاتبه الله على ذلك.

وهذا فاسد، لان النبي‏صلى الله عليه وآله قداجل الله قدره عن هذه الصفات، وكيف يصفه بالعبوس‏والتقطيب، وقدوصفه بانه «لعلى خلق عظيم‏» (73) وقال:

«ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك‏» (74) وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله‏تعالى: «ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه‏» (75) ومن عرف النبي‏صلى الله عليه وآله‏وحسن اخلاقه، وماخصه الله تعالى به من مكارم الاخلاق وحسن الصحبة حتى قيل، انه‏لم يكن يصافح احدا قط، فينزع يده من يده، حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده،فمن هذه صفته كيف يقطب في وجه اعمى جاء يطلب الاسلام؟ على ان الانبياءعليهم السلام‏منزهون عن مثل هذه الاخلاق و عما هو دونها لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم‏والاصغاء الى دعائهم، فلا يجوز مثل هذا على الانبياء من عرف مقدارهم و تبين‏نعتهم (76) .

وهكذا يستعين المفسر بالقرآن نفسه ببرء ساحة النبي، ويدحض ما توهمه المفسرون‏بآيات بينات من كتاب الله تعالى.

من كل ما تقدم تبين لنا مدى سعة اطلاع الشيخ الطوسي و تمكنه من تتبع الحقائق‏ومعرفته باسباب النزول لآيات الكتاب العزيز، وهو يرجح ما رجح من الآراء عن بينة، ويردما رد عن بينة، مع تدعيم آرائه بابلغ الحجج واوضحها، وتلك سمة لاتتوفر الا في اولئك‏القلائل من اعلام المفسرين وكبارهم.

المحكم والمتشابه

تعرض الشيخ الطوسي في التبيان الى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم دون تكلف،اذ تخفف منهما بعبارات واضحات، وادرجهما ضمن السياق; ليعطي لهما من المعاني مايفيددون توسعة في القول، فهو حينما يفسر قوله تعالى: «هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات‏محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات ...»

يقول:

المحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن اليه ولادلالة تدل على المراد به‏لوضوحه، نحو قوله تعالى:

«ان الله لا يظلم الناس شيئا» (77) .

وقوله:

«لا يظلم مثقال ذرة‏» (78) لانه لايحتاج الى معرفة المراد به دليل (79) .

كما عرف المتشابه بقوله:

والمتشابه: ما لا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدل على المراد به نحو قوله:«واضله الله على علم‏» (80) فانه يفارق قوله تعالى: «واضلهم السامري‏» (81) لان اضلال السامري‏قبيح، واضلال الله بمعنى حكمه بان العبد ضال ليس قبيح، بل هو حسن (82) .

وبعد ان ثبت الشيخ الطوسي رايه واضحا و صريحا في المحكم والمتشابه اورد ما وقع‏فيه المفسرون من اختلافات في تعريف المحكم والمتشابه فيقول:

واختلف اهل التاويل - يعني اهل التفسير - في المحكم والمتشابه على خمسة اقوال (83) :

الاول: قال ابن عباس:

المحكم: الناسخ والمتشابه المنسوخ.

الثاني: قال مجاهد:

المحكم: ما لا يشتبه معناه، والمتشابه ما اشتبهت معانيه نحو قوله: «وما يضل به الاالفاسقين‏» (84) و نحو قوله: «والذين اهتدوا زادهم هدى‏» (85) .

الثالث: قال محمد بن جعفر بن الزبير الجبائي:

ان المحكم ما لا يحتمل الا وجها واحدا، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعدا.

الرابع: قال ابن زيد:

ان المحكم هو الذي لم تتكرر الفاظه، والمتشابه: هو المتكرر الالفاظ.

الخامس: ما روي عن جابر:

ان المحكم: ما يعلم تعيين تاويله. والمتشابه: ما لا يعلم تعيين تاويله. نحو قوله:«يسالونك عن الساعة ايان مرساها» (86) .

وحينما ذكر الشيخ الطوسي آراء المفسرين لم‏يعترض على احدهم، كما لم‏يرجح راياعلى راي، ويبدو انه كان قد استحسن كل هذه التعاريف والا لماسكت عنها.

ويضيف الشيخ الطوسي شيئا الى ماعرف به المحكم، وهو يفسر «هن ام الكتاب‏».

فيقول: «معناه اصل الكتاب الذي يستدل به على المتشابه وغيره من امور الدين‏».

وهذا يعني ان المحكم يقوم دليلا على المتشابه، وعلى امور الدين الاخرى.

ولم‏يكتف المفسر بهذا الشرح، وانما يطرح سؤالا، ثم يجيب عنه ليوضح العلة التي من‏اجلها انزل المتشابه في القرآن.

فيقول:

« فان قيل: لم‏انزل في القرآن المتشابه؟ وهلا انزله كله محكما».

فيجيب الشيخ بقوله:

قيل: للحث على النظر الذي يوجب العلم دون الاتكال على الغير من غير نظر، وذلك انه‏لو لم‏يعلم بالنظر ان جميع ماياتي به الرسول حق يجوز ان يكون الخبر كذبا، وبطلت‏دلالة السمع وفائدته... ولو لا ذلك لمابان منزلة العلماء وفضلهم على غيرهم; لانه لوكان كله محكما لكان من يتكلم باللغة العربية عالما به ولاكان يشتبه على احد المراد به‏فيتساوى الناس في علم ذلك على ان المصلحة معتبرة في انزال القرآن. فما انزله‏متشابها; لان المصلحة اقتضت ذلك، وماانزله محكما فلمثل ذلك (87) .

ويذهب الشيخ الطوسي الى القول بان المتشابه في القرآن يقع فيما اختلف الناس فيه‏من امور الدين (88) .

مثال ذلك:

قوله تعالى: «ثم استوى على العرش‏» (89) فاحتمل في اللغة ان يكون كاستواء الجالس على‏السرير، واحتمل ان يكون بمعنى الاستيلاء، نحو قول الشاعر.

«ثم استوى بشر (90) على العراق.

من غير سيف ودم مهراق‏».

واحد الوجهين لايجوز عليه تعالى لقوله: «ليس كمثله شي‏ء» (91) وقوله:

«ولم يكن له كفوا احد» (92) .

والآخر يجوز عليه، فهذا من المحكم الذي يرد اليه المتشابه (93) .

وهذا وقداورد الشيخ الطوسي معنى آخر في المحكم عندما فسر قوله تعالى:

«الر كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير» (94) .

فقال: «الاحكام منع الفعل من الفساد».

واستشهد بقول الشاعر:

«ابني حنيفة احكموا سفهاءكم.

اني اخاف عليكم ان اغضبا».

وقال في معنى «احكمت آياته ثم فصلت‏».

قيل: اقوال (95) :

احدهما: قال الحسن: احكمت‏بالامر والنهي، وفصلت‏بالثواب والعقاب.

الثاني: قال قتادة: احكمت آياته من الباطل، ثم فصلت‏بالحرام والحلال.

الثالث: قال مجاهد «احكمت آياته‏» على وجه الجملة «ثم فصلت‏» اي بينت آية آية.

وهكذا نجد الشيخ الطوسي يتحفظ من هذا الموضوع دون ان يستغرق في التفاصيل‏والشرح، وذلك بعد ان طرح رايه واضحا، ودلل عليه بآيات من كتاب الله تعالى.

آيات الاحكام

امتاز الشيخ الطوسي عن كثير من المفسرين ببلوغه درجة الاجتهاد (96) والتي اصبح بهافقيها يمتلك القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرر له (97) ، وبهذافقدتوفرت للشيخ الطوسي ذهنية اسلامية ذات طابع شمولي، استطاع من خلالها الاحاطة‏بمختلف علوم الشريعة وفنونها، ومنها تمكن من ان يدقق النظر في آيات الاحكام التي‏وردت في القرآن الكريم، ليستنبط منها ومن السنة الشريفة آراءه الفقهية التي جعلته شيخاللطائفة الامامية (98) وفقيها للشيعة (99) .

رغم ان الشيخ الطوسي صنف كتبا كثيرة في مجال الفقه الا ان تفسيره (التبيان)قداحتوى الكثير من آرائه الفقهية من خلال تفسيره لآيات الاحكام الواردة في الكتاب‏العزيز، وكان الطوسي لايكتفي بطرح رايه الفقهي فقط، وانما يذكر آراء غيره من فقهاءالمذاهب الاسلامية الاخرى، ويشير الى كل منها سواء كانت متفقة مع آرائه او مختلفة،وبهذا يكون الشيخ الطوسي قدتميز بروح علمية موضوعية عالية، حيث‏يضع القارئ‏لتفسيره امام اغلب الآراء الفقهية، ويناقش مايرى في مناقشته مصلحة، ويرد على مايعتقدبضرورة الرد عليه من آراء الفقهاء، وهنا نورد (100) امثلة لمنهجه هذا:

مثال: قال في تفسيره لقوله تعالى:

«يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق وامسحوابرءوسكم وارجلكم الى الكعبين...» (101) .

وقوله:

«فاغسلوا وجوهكم‏» امر من الله بغسل الوجه.

واختلفوا في حد الوجه الذي يجب غسله، فحده عندنا من قصاص شعر الراس الى‏محاذي شعر الذقن طولا، ومادخل بين الوسطى والابهام عرضا، وماخرج عن ذلك‏فلايجب غسله، ومانزل من الشعر عن المحادر فلايجب غسله (102) .

ثم يذكر آراء الغير فيقول:

وقال بعضهم:

ماظهر من بشرة الانسان من قصاص شعر راسه منحدرا الى منقطع ذقنه طولا، ومابين‏الاذنين عرضا، قالوا: والاذنان ومابطن من داخل الفم والانف والعين فليس من الوجه،ولايجب غسل ذلك ولاغسل شي‏ء منه، واما ماغطاه الشعر كالذقن والصدغين، فان‏امرار الماء على ماعلا الشعر عليه يجزي من غسل مابطن منه من بشرة الوجه; لان‏الوجه عندهم ماظهر لعين الناظر من ذلك يقابلها دون غيره، وهذا بعينه مذهبنا، الاماخرج عن الابهام والوسطى الى الاذن فانه لايجب غسله.

ذهب الى ماحكيناه ابراهيم ومغيرة والحسن وابن سيرين وشعبة والزهري وربيعة‏وقتادة والقاسم‏بن محمد وابن عباس وابن عمر.

قال ابن عمر: الاذنان من الراس، وبه قال قتادة والحسن، ورواه ابو هريرة عن النبي‏صلى الله عليه وآله.

وقال آخرون:

الوجه كل مادون منابت‏شعر الراس الى منقطع الذقن طولا، ومن الاذن الى الاذن‏الاخرى عرضا، ماظهر من ذلك لعين الناظر، ومابطن منه من منابت‏شعر اللحية‏والعارضين، وماكان منه داخل الفم والانف، ومااقبل من الاذنين على الوجه، وقالوايجب غسل جميع ذلك، ومن ترك شيئا منه لم‏تجزه الصلاة. ذهب اليه ابن عمر في رواية‏نافع عنه وابو موسى الاشعري ومجاهد وعطاء والحكم وسعيدبن جبير وطاووس‏وابن‏سيرين والضحاك وانس‏بن مالك وام سلمة وابو ايوب وابو امامة وعماربن ياسروقتادة كلهم قالوا بتخليل اللحية، فاما غسل باطن الفم فذهب اليه مجاهد وحمادوقتادة، واما من قال: مااقبل من الاذنين يجب غسله، وما ادبريجب مسحه فالشعبي (103) .

ومما سبق تبين ان مدى احاطة الشيخ الطوسي بآراء مختلف الفقهاء ومن مختلف‏المذاهب، حيث‏يذكر الراي الفقهي في المسالة، ثم يذكر من قال بها من الفقهاء، وبهذه‏الطريقة يضع القارئ امام معظم الآراء الفقهية المختلفة على حد سواء.

ومثل ذلك في تفسيره لقوله تعالى «وايديكم الى المرافق‏» حيث‏بين اوجه الاتفاق‏والاختلاف بين العلماء والفقهاء في هذه المسالة.

فقال:

يجب عندنا غسل الايدي من المرافق وغسل المرافق معها الى رؤوس الاصابع،ولايجوز غسلها من الاصابع الى المرافق.

و«الى‏» في الآية بمعنى «مع‏»... وطعن الزجاج على ذلك فقال:

لو كان المراد بالى «مع‏» لوجب غسل اليد الى الكتف لتناول الاسم له، وانما المراد بالى‏الغاية والانتهاء، لكن المرافق يجب غسلها مع اليدين، وهذا الذي ذكر ليس بصحيح; لانالوخلينا وذلك لقلنا بما قاله، ولكن خرجنا بدليل، ودليلنا على صحة ماقلناه: اجماع‏الامة على انه متى بدا من المرافق كان وضوؤه صحيحا، واذا جعلت غاية ففيه الخلاف،واختلف اهل التاويل في ذلك، فقال مالك‏بن انس:

يجب غسل اليدين الى المرفقين، ولايجب غسل المرفقين، وهو قول زفر، وقال‏الشافعي: لااعلم خلافا في ان المرافق يجب غسلها، وقال الطبري: غسل المرفقين‏ومافوقهما مندوب اليه غير واجب، وانما اعتبرنا غسل المرافق; لاجماع الامة على ان‏من غسلهما صحت صلاته، ومن لم‏يغسلهما ففيه خلاف.

وقوله: «وامسحوا برءوسكم‏» اختلفوا في صحة المسح، فقال قوم: يمسح منه مايقع عليه‏اسم المسح، وهو مذهبنا، وبه قال ابن عمر والقاسم‏بن محمد وعبدالرحمن‏بن ابي ليلى‏وابراهيم والشعبي وسفيان، واختاره الشافعي واصحابه والطبري.

وذهب قوم الى انه يجب مسح جميع الراس ذهب اليه مالك، وقال ابو حنيفة وابو يوسف‏ومحمد: لايجوز مسح الراس باقل من ثلاثة‏اصابع، وعندنا لايجوز المسح الا على‏مقدم الراس.

وقوله: «وارجلكم الى الكعبين‏» عطف على الرؤوس، فمن قرا بالجر ذهب الى انه يجب‏مسحهما كما وجب مسح الراس، ومن نصبهما ذهب الى انه معطوف على موضع‏الرؤوس لان موضعها نصب لوقوع المسح عليها.. فالقراءتان جميعا تفيد ان المسح على‏مانذهب اليه، وممن قال بالمسح ابن عباس والحسن البصري وابو علي الجبائي‏ومحمدبن جرير الطبري غير انهم اوجبوا الجمع بين المسح والغسل، المسح بالكتاب‏والغسل بالسنة، وخير الطبري في ذلك، واوجبوا كلهم استيعاب جميع الرجل ظاهراوباطنا.

وعندنا ان المسح على ظاهرهما من رؤوس الاصابع الى الكعبين، وهما الناتئان في‏وسط القدم على مااستدل عليه، وقال عكرمة عن ابن عباس: الوضوء غسلتان‏ومسحتان، وبه قال انس‏بن مالك.

وقال عكرمة: ليس على الرجلين غسل انما فيهما المسح، وبه قال الشعبي:

الاترى ان التيمم يمسح ماكان غسلا ويلغي ماكان مسحا. وقال قتادة: افترض الله‏مسحتين وغسلتين (104) .

وفي مثال آخر:

قال الشيخ الطوسي في تفسيره لقوله تعالى:

«و اذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلوة ان خفتم ان يفتنكم الذين‏كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا» (105) قال:

وعندنا وعند كثير من الفقهاء ان فرض المسافر مخالف لفرض المقيم، وليس ذلك‏قصرا; لاجماع اصحابنا على ذلك; ولماروي عن النبي‏صلى الله عليه وآله.

انه قال: فرض المسافر ركعتان غير قصر، واما الخوف بانفراده فانه يوجب القصر، وفيه‏خلاف، وقد روي عن ابن عباس ان صلاة الخائف قصر من صلاة المسافر، وانها ركعة‏ركعة، وقال قوم: معنى قوله: «فليس عليكم جناح ان تقصروا» يعني من حدود الصلاة ان خفتم‏ان يفتنكم الذين كفروا، وهو الذي رواه اصحابنا في صلاة شدة الخوف، وانه يصلي ايماءوالسجود اخفض من الركوع، فان لم‏يقدر فان التسبيح المخصوص يكفي عن كل‏ركعة (106) ، واختلف اهل التاويل في قصر الصلاة فقال قوم: هي قصر من صلاة الحاضرماكان يصلى اربع ركعات اذن له في قصرها، فيصليها ركعتين، ذهب اليه يعلى بن امية‏وعمربن الخطاب، وان يعلى قال لعمر كيف نقصر الصلاة وقد امنا؟ فقال عمر: عجبت‏مما عجبت منه، فسالت النبي‏صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلواصدقته، وبه قال ابن جريح وقتادة (107) .

وقال قوم:

القصر لايجوز الا مع الخوف، روي ذلك عن عائشة وسعد بن ابي وقاص.

وقال آخرون: عنى بها قصر الصلاة، صلاة الخوف في حال غير شدة الخوف (108) .

واما حد السفر الذي يجب فيه التقصير فعندنا انه ثمانية فراسخ.

وقال ابو حنيفة واصحابه: مسيرة ثلاثة ايام، وقال الشافعي: ستة عشر فرسخا، ثمانية‏واربعون ميلا، وقال قوم: يجب في قليل السفر وكثيره.

وهكذا نجد المفسر يشبع الآية شرحا وتفصيلا ذاكرا للكثير من الآراء المختلفة حولهابامانة ونزاهة وموضوعية.

مثال:

وقال عند تفسيره للآية الكريمة:

«والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم‏» (109) .

وظاهر قوله: «والسارق والسارقة‏» يقتضي عموم وجوب القطع على كل من يكون سارقااو سارقة (110) .

وقد رد الشيخ الطوسي ذلك بقوله:

ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل من يسمى سارقا، وانما يحتاج الى معرفة‏الشروط; ليخرج من جملتهم من لايجب قطعه، فاما من يجب قطعه فانا نقطعه بالظاهر،فالآية مجملة فيمن لايجب قطعه دون من يجب قطعه، فسقط ماقالوه (111) .

وقوله «فاقطعوا ايديهما» امر من الله بقطع ايدي السارق والسارقة، وانما اعتبرنا قطع‏الايمان، لاجماع المفسرين كالحسن والسدي والشعبي وغيرهم، وفي قراءة ابن مسعود«والسارقون والسارقات فاقطعوا ايمانهم‏».

اما النصاب الذي يتعلق القطع به قيل فيه ستة اقوال:

اولها: على مذهبنا وهو ربع دينار، وبه قال الاوزاعي والشافعي، لماروي عن النبي‏صلى الله عليه وآله‏انه قال: «القطع في ربع دينار».

الثاني: ثلاثة دراهم وهو قيمة المجن، ذهب اليه مالك‏بن انس.

الثالث: خمسة دراهم روي ذلك عن علي‏عليه السلام وعن عمر، وانهما قالا: «لايقطع الخمس الافي خمسة دراهم‏» وهو اختيار ابي علي، قال: لانه بمنزلة من منع خمسة دراهم من‏الزكاة في انه فاسق.

الرابع: قال الحسن: يقطع في درهم; لان مادونه تافه.

الخامس: عشرة دراهم ذهب اليه ابو حنيفة واصحابه; لمارووا انه كان قيمة المجن‏عشرة دراهم.

السادس: قال اصحاب الظاهر وابن الزبير يقطع في القليل والكثير ولايقطع الا من سرق‏من حرز، والحرز يختلف فلكل شي‏ء حرز يعتبر فيه حرز مثله في العادة.

وحده اصحابنا بانه كل موضع لم‏يكن لغيره الدخول اليه والتصرف فيه الا باذنه فهوحرز.

وقال ابو علي الجبائي: الحرز ان يكون في بيت او دار مغلق عليه، وله من يراعيه‏ويحفظه.

ومن سرق من غير حرز لايجب عليه القطع، قال الرماني: لانه لايسمى سارقا حقيقة‏وانما يقال ذلك مجازا كما يقال: سرق كلمة او معنى في شعر; لانه لايطلق على هذا اسم‏سارق على كل حال.

وقال داود: يقطع اذا سرق من غير حرز (112) .

ثم حدد الشيخ الطوسي كيفية القطع فقال:

وكيفية القطع عندنا يجب من اصول الاصابع الاربعة ويترك الابهام، وهو المشهور عن‏علي‏عليه السلام: وقال اكثر الفقهاء: انه يقطع من الرسغ وهو المفصل بين الكف والساعد وقالت‏الخوارج: يقطع من الكتف.

وقداستدل قوم من اصحابنا على ماقلناه بقولهم «فويل للذين يكتبون الكتب بايديهم‏» (113) .وانما يكتبون بالاصابع، والمعتمد ماقلناه (114) ، ثم بين الشيخ الطوسي حكم من تكررت‏سرقاته فقال:

ومتى سرق بعد قطع اليد دفعة ثانية قطعت رجله اليسرى، فان سرق ثالثة حبس عندنا،وبه قال الحسن.

وقال ابو علي تقطع اليد الاخرى، فان سرق في الحبس قتل عندنا، ولايعتبر ذلك احدمن الفقهاء.

وظاهر الآية يقتضي وجوب قطع العبد والامة اذا سرقا لتناول اسم السارق والسارقة‏لهما (115) .

وهكذا نجد الشيخ الطوسي يتفاعل مع آيات الاحكام بنفس فقهي وروح اجتهادية‏تؤهله معها ملكة الاستنباط التي حصل عليها لان يشبع الآيات الواردة في الاحكام بحثاوتدقيقا، مع مناقشة كل راي كان قدطرحته المذاهب الاسلامية المختلفة، الامر الذي يعطي‏لتفسير التبيان اهمية خاصة باعتبار ان مؤلفه فقيه مفسر.

التاويل

ظهرت كلمة التاويل الى جنب كلمة التفسير في البحوث القرآنية عند المفسرين‏القدماء، واعتبرت من قبلهم متفقة بصورة جوهرية مع كلمة التفسير في المعنى، فالكلمتان‏معا تدلان على بيان معنى اللفظ والكشف عنه، ولعل الاختلاف الذي وقع بين المفسرين‏حول هاتين الكلمتين انما كان منصبا في تحديد مدى التطابق بينهما، وهنا نعرض لكل من‏التفسير والتاويل; لنرى مدى الاتفاق والاختلاف بينهما.

فالتفسير في اللغة:

هو الايضاح والتبين والفسر: البيان، فسر الشي‏ء يفسره - بالكسر - ويفسره - بالضم -وفسره: ابانه، والتفسير مثله... الفسر: كشف المغطى والتفسير: كشف المراد عن اللفظ‏المشكل (116) .

وبهذا يكون التفسير: هو الكشف الحسي او المعنوي.

اما التاويل لغة: فهو من.

الاول بمعنى الرجوع، آل الشي‏ء يؤول اولا ومآلا: رجع واول اليه الشي‏ء: رجعه... واول‏الكلام وتاوله: دبره وقدره، واوله وتاوله: فسره (117) .

وفي القاموس جاء:

آل اليه اولا ومآلا: رجع... واوله اليه: رجعه... واول الكلام تاويلا وتاوله: دبره وقدره‏وفسره (118) .

وبهذا فليس هناك من فرق في اللغة بين التفسير والتاويل، وفي هذا يشير صاحب لسان‏العرب فيقول:

سئل ابو العباس احمدبن يحيى عن التاويل فقال: التاويل والمعنى والتفسير واحد (119) .اما التاويل اصطلاحا فيعني: صرف اللفظ عن المعنى الراجح الى المعنى المرجوع لدليل‏يقترن به.

والذي عليه الشيخ الطوسي هو عدم التفرقة بين التفسير والتاويل اذ يرى ان التاويل‏مرادف للتفسير ومن ذلك فقوله:

واختلف اهل التاويل في المحكم والمتشابه على خمسة اقوال (120) :

الاول: قال ابن عباس: المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ.

والثاني: قال مجاهد....

الثالث: قال محمدبن جعفربن الزبير والجبائي...

والرابع: قال ابن زيد....

وهكذا اخذ يعد المفسرين واحدا واحدا مما يدل على ان استعماله لعبارة اهل التاويل‏بانها كانت تعني اهل التفسير.

ثم يؤكد ذلك عندما يفسر قوله تعالى:

«... فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم‏تاويله الا الله والراسخون في العلم...» (121) .

فيقول:

والتاويل: التفسير واصله المرجع والمصير من قولهم آل امره الى كذا يؤول اولا:

اذا صار اليه واولته تاويلا اذا صيرته اليه.. وقوله: «واحسن تاويلا» (122) قيل معناه احسن‏جزاء لان امر العباد يؤول الى الجزء. واصل الباب: المصير «وما يعلم تاويله‏» يعني‏تفسيره (123) .

وقد ظل التاويل يعني التفسير حتى جاء المتاخرون من الفقهاء والكلاميين والمتصوفة‏فاتخذ معنى اصطلاحيا جديدا، اما فيما مضى فقدكان يعني التاويل - عند السلف - تفسيرالكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره او خالفه فيكون التاويل والتفسير عند هؤلاء متقاربااو مترادفا (124) وهذا مانجده واضحا لدى الشيخ الطوسي اذ لايفرق بين التاويل والتفسيراطلاقا وانما يضع احدهما مكان الآخر وكانهما مترادفان.

تعليقات:


1) الجاثية (45) الآية 29.

2) ابن منظور، لسان العرب، فصل النون حرف الخاء.

3) البقرة (2) الآية 106.

4) ابن منظور، لسان العرب، فصل النون حرف الخاء.

5) علوم القرآن المنتقى، ص‏169.

6) العتائقي الحلي، الناسخ والمنسوخ، مقدمة المحقق الفضلي، ص‏7.

7) الشاطبي، الموافقات في اصول الشريعة، شرح عبدالله دراز، ج‏3، ص‏65.

8) الزرقاني، مناهل العرفان، ج‏2، ص‏176.

9) الزركشي، البرهان، ج‏2، ص‏30.

10) البقرة (2) الآية 106.

11) الرعد (13) الآية 39.

12) النحل (16) الآية 101.

13) الرازي، مفاتيح الغيب، ج‏3، ص‏229.

14) الزرقاني، مناهل العرفان، ج‏2، ص‏207 الآية: فصلت(41) 42.

15) الزرقاني، مناهل العرفان، ج‏2، ص‏208.

16) السيد الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص‏286; الحكيم، الاصول العامة للفقه المقارن، ص‏247.

17) الطباطبائي، تفسير الميزان، ج‏4، ص‏275.

18) الشافعي، الرسالة، ص‏106.

19) حسب الله‏اصول التشريع الاسلامي، ص‏278.

20) الشاطبي، الموافقات، ج‏3، ص‏106.

21) الطوسي، التبيان، المقدمة، ج‏1، ص‏13.

22) البقرة (2) الآية 234.

23) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏261.

24) البقرة (2) الآية 240.

25) المجادلة (58) الآية 14.

26) الطوسي، التبيان، ج‏9، ص‏55.

27) المجادلة (58) الآية 13.

28) الانفال (8) الآية 65.

29) الانفال (8) الآية 66.

30) الطوسي، التبيان، ج‏5، ص‏154.

31) نفس المصدر، المقدمة، ج‏1، ص‏13.

32) الطوسي، التبيان، ج‏1، ص‏13.

33) نفس المصدر.

34) نفس المصدر.

35) الطوسي، التبيان، ج‏1، ص‏14.

36) الانعام (6) الآية 121.

37) المائدة (5) الآية 5.

38) الطوسي، التبيان، ج‏4، ص‏257.

39) البقرة (2) الآية 83.

40) في قوله تعالى: «قاتلوا الذين لايؤمنون بالله و لاباليوم الآخر و لايحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين‏الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏التوبة (9) الآية 29.

41) النحل (16) الآية 125.

42) الانعام (6) الآية 108.

43) الطوسي، التبيان، ج‏1، ص‏331.

44) الواحدي، ابو الحسن علي‏بن احمد النيسابوري، اسباب النزول، القاهرة، ط‏1، ص‏4.

45) السيوطي، الاتقان، ج‏1، ص‏30.

46) نفس المصدر.

47) ابن تيمية، مقدمة في اصول التفسير، ص‏47.

48) آل عمران (3) الآية 188.

49) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏77.

50) آل عمران (3) الآية 199.

51) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏93.

52) ابن تيمية، مقدمة في اصول التفسير، ص‏47.

53) العياشي، تفسير العياشي، ج‏1، ص‏21.

54) الطباطبائي، الميزان، ج‏1، ص‏42.

55) السيد اسماعيل الصدر، محاضرات في تفسير القرآن الكريم، ص‏7 - 8.

56) الطباطبائي، الميزان، ج‏3، ص‏67 - 72.

57) البقرة (2) الآية 108.

58) الاسراء (17) الآية 92.

59) الفرقان (25) الآية 21.

60) الطوسي، التبيان، ج‏1، ص‏413.

61) البقرة (2) الآية 113.

62) الطوسي، التبيان، ج‏1، ص‏415.

63) البقرة (2) الآية 207.

64) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏183.

65) البقرة (2) الآية 278.

66) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏366.

67) آل عمران (3) الآية 172.

68) النساء (4) الآية 103.

69) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏51.

70) البقرة (2) الآية 6.

71) الطوسي، التبيان، ج‏1، ص‏60.

72) عبس (80) الآيات 1 و2.

73) القلم (68) الآية 4.

74) آل عمران (3) الآية 159.

75) الانعام (6)الآية 52.

76) الطوسي، التبيان، ج 1، ص 269.

77) يونس (10) الآية‏44.

78) النساء (4) الآية 40.

79) الطوسي، التبيان، ج 2، ص 395.

80) الجاثية (45) الآية 23.

81) طه (20) الآية 85.

82) الطوسي، التبيان، ج 2، ص 395.

83) نفس المصدر.

84) البقرة (2) الآية 26.

85) محمد (47) الآية 17.

86) النازعات (79) الآية 42; الاعراف (7) الآية 186.

87) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏396.

88) نفس المصدر.

89) الاعراف (7) الآية 53; يونس (10) الآية 3.

90) يريديه بشربن مروان.

91) الشورى (42) الآية 11.

92) الاخلاص (112) الآية 4.

93) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏396.

94) هود (11) الآية 1.

95) الطوسي، التبيان، ج‏5، ص‏446.

96) الاجتهاد: هو النظر في الادلة الشرعية لتحصيل معرفة الاحكام الفرعية التي جاء بها سيد المرسلين،( راجع‏المظفر، عقائد الامامية، ص‏4..

97) الصدر، الفتاوى الواضحة، ص‏103.

98) آغا بزرك الطهراني، مقدمة التبيان، ج‏1، ص‏44.

99) ابن كثير، البداية والنهاية، ج‏12، ص‏97.

100) ابو العباس احمد بن يحيى الكوفي النحوي المتوفى سنة 291ه .

101) المائدة (5) الآية 6.

102) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏449.

103) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏450.

104) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏449 - 452.

105) النساء (4) الآية 101.

106) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏307.

107) نفس المصدر.

108) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏308.

109) المائدة (5) الآية 38.

110) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏512.

111) الطوسي، التبيان . ج‏3، ص‏512.

112) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏513.

113) البقرة (2) الآية 79.

114) الطوسي، التبيان، ج‏3، ص‏513 - 514.

115) نفس المصدر.

116) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، فصل الفاء باب الراء; ابن منظور، لسان العرب، فصل الفاء حرف الراء.

117) ابن منظور، لسان العرب، فصل الهمزة حرف اللام.

118) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، فصل الهمزة باب اللام.

119) ابن منظور، لسان العرب، فصل الهمزة حرف اللام.

120) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏395.

121) آل عمران (3) الآية 7.

122) النساء (4) الآية 58; الاسراء (17) الآية 35.

123) الطوسي، التبيان، ج‏2، ص‏399.

124) ابن تيمية، مجموعة الرسائل الكبرى، رسالة‏الاكليل، ج‏2، ص‏17.