الفصل الثاني: الشيخ الطوسي وعقائد الامامية
تحدث القرآن الكريم في آيات عديدة عن مسائل عقيدية كانت غاية في الاهميةكصفات الله وخلق القرآن وافعال العباد، هل هي من
خلق الله ام من تدبير الانسان نفسه؟ الىجانب مسائل اخرى لاتقل عن هذه اهمية في مجال العقيدة، وقدقراها الصحابة
والرعيلالاول من المسلمين، فآمنوا بها دون ان يقولوا شيئا بصددها، حتى اذا ماآذن النصف الاولللقرن الهجري الاول بالانصراف،
واذا بالمدرسة الاسلامية تعيش حالة ارهاصات لولادةبعض الفرق والمذاهب، حيث ظهرت عندئذ القدرية، فكان معبد بن خالد
الجهني(ت80ه ) اول من تكلم بالقدر حيث كان يقول: «لاقدر والامر آنف» (1) ، وبهذا يكونالقدرية قدفتحوا بابا للكلام بين المسلمين
اخذ بالانتشار والتوسع شيئا فشيئا، فظهرت بعدذلك الجهمية والتي تنسب الى جهم بن صفوان (ت 128ه )، وهو من القائلين
بالجبر،وقدوافق جهم آراء المعتزلة في نفي الصفات الازلية الا انه خالفهم في آراء اخرى كثيرةمنها: انه لايجوز وصف البارئ بصفة
يوصف بها خلقه; لان ذلك يقتضي تشبيها، فنفى كونهحيا عالما واثبت كونه قادرا فاعلا خالقا; لانه لايوصف شيء من خلقه بالقدرة
والفعلوالخلق، وان الانسان، لايقدر على شيء، ولايوصف بالاستطاعة، وانما هو مجبور فيافعاله، لاقدرة له ولا ارادة ولا اختيار (2) .
ولميمض وقت طويل حتى ظهرت المعتزلة، والتي كان واصلبن عطاء المتوفى سنة131ه شيخها وقديسها (3) ، وراح هؤلاء ينقضون
آراء الجبرية، وينفون مااكده الصفاتيون،واعتقدوا باصول خمسة، عرف بها المذهب الاعتزالي فيما بعد، وهي:
التوحيد، العدل، المنزلة بين المنزلتين، الوعد والوعيد، الامر بالمعروف والنهي عنالمنكر (4) .
وقد اثارت آراء المعتزلة موجة من الصراع الحاد بينهم وبين السلفيين، وخاصة فيمسالة الصفات الالهية، وفي هذا يقول
الشهرستاني:
اعلم ان جماعة كبيرة من اهل السلف كانوا يثبتون لله(تعالى) صفات ازلية من العلموالقدرة والحياة والارادة والسمع والبصر والكلام
والجلال والاكرام والجود والانعاموالعزة والعظمة، ولايفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سوقاواحدا،
وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين والرجلين، ولايؤولون ذلك الا انهميقولون:
هذه الصفات قد وردت في الشرع، فنسميها صفات خبرية، ولماكان المعتزلة ينفونالصفات، والسلف يثبتون سمي السلف صفاتية
والمعتزلة معطلة (5) .
وقددخل حلبة الصراع جمع آخر من اهل السلف، كان ابرزهم ابو الحسن الاشعري، ثمتلاه الباقلاني والجويني والغزالي
والشهرستاني والرازي وغيرهم، وهؤلاء جوزوا الكلامفي المسائل الاعتقادية على نحو يختلف مع ماكان عليه بعض السلفيين من
الصحابةوالتابعين وتابعيهم من الذين حرموا الكلام فيها، واوجبوا الايمان بها على ماهو ظاهر مننصوص الكتاب والسنة الشريفة (6) .
ولقد كان للمدرسة الامامية راي في كل مسالة من المسائل التي اثير الكلام حولها،وسنتعرض لها بشيء من التفصيل، مع ذكر آراء
الشيخ الطوسي فيها باعتباره مفسرا يتعرضفي تفسيره للآيات القرآنية التي كانت مثار جدل بين الفرق الاسلامية، ولكونه شيخ
الطائفةومتكلم الشيعة (7) وفقيه الامامية (8) ، وسنحاول استجلاء موقف الشيخ الطوسي من خلالتفسير التبيان ازاء اصول الدين
الخمسة التي تؤمن بها المدرسة الامامية، والتي هي (التوحيدوالعدل والنبوة والامامة والمعاد) (9) .
التوحيد
اجمع المسلمون على الايمان بوحدانية الله تعالى، والامامية (10) يعتقدون بهذا الاصل كمايعتقد به غيرهم، وقدآمنوا بان الله (تعالى)
واحد احد ليس كمثله شيء قديم لميزل ولايزال،هو الاول والآخر عليم حليم عادل حي قادر غني سميع بصير لايوصف بما توصف
بهالمخلوقات، وقالوا: بانه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده فيالذات (اولا)، يجب توحيده في الصفات
(ثانيا)، وكذلك يجب توحيده في العبادة (ثالثا)،فلاتجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه (11) ، ومثل هذا قال المعتزلة فذكروا:
انالله واحد، ليس كمثله شي، وليس بجسم ولاشبح ولاجثة ولاصورة، ولايتحركولايسكن، ولايتبعض، ولايحيط به مكان، ولايجري
عليه زمان، ولايوصف بشيء منصفاتالخلق الدالة على حدثهم، ولاتدركه الحواس، ولميزل عالما قادرا حيا، ولايزالكذلك (12) .
وقداكد الشيخ الطوسي وحدانية الله تعالى خلال تفسيره، فقال عند تفسيره لقوله تعالى:«لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا
فسبحان الله رب العرش عما يصفون» (13) :
لوصح الهان او آلهة لصح بينهما التمانع، فكان يؤدي ذلك الى ان احدهما اذا اراد فعلاواراد الآخر ضده، اما ان يقع مرادهما فيؤدي
الى اجتماع الضدين، او لايقع مرادهمافينتقض كونهما قادرين، او يقع مراد احدهما فيؤدي الى نقض كون الآخر قادرا، وكلذلك
فاسد، فاذن لايجوز ان يكون الاله الا واحدا (14) .
وعلى هذا فان الله (تعالى):
واحد في الالهية والازلية، ولايشبهه شيء، ولايجوز ان يماثله شيء، وانه فرد فيالمعبودية لاثاني له فيها على الوجوه كلها والاسباب،
وعلى هذا اجمع اهل التوحيد الامن شذ من اهل التشبيه، فانهم اطلقوا الفاظه وخالفوا في معناه) (15) .
ومثل هذا المعنى يوكده الشيخ الطوسي في مكان آخر من التبيان فيقول:
ويدل على ان خالق الجسم لايشبهه; لانه لواشبهه لكان محدثا مثله، ويدل على انهقديم; لانه لوكان محدثا لاحتاج الى محدث;
ولادى ذلك الى مالايتناهى (16) .
صفات الله تعالى
تعرض الشيخ الطوسي في تفسيره الى مسالة الصفات، ورد على المجسمة والمشبهةفي اكثر من موضع، واكد في اكثر من مكان من
تبيانه ان الله خالق قادر عالم قديم فقال فيتفسيره لقوله تعالى:
«ان في السموات والارض لآيات للمؤمنين» (17) .
وفي السماوات والارض لآيات للمؤمنين الذين يصدقون بالله، ويقرون بتوحيدهوصدق انبيائه...، وفي السماوات والارض دلالات على
الحق من وجوه كثيرة، منها انهيدل بخلقها على ان لها خالقا، وانه قادر لايعجزه شيء، وانه مخالف لها، فلايشبهها،وعلى انه عالم بما
فيها من الاتقان والانتظام، وفي استحالة تعلق القدرة بها دلالة علىان صانعها قديم غير محدث، ويوقفها مع عظمها وثقل اجرامها
بغير عمد ولاسند يدلعلى ان القادر عليها قادر على الاتيان بما لايتناهى، ولايشبه احد من القادرين، وانهخارج من حد الطبيعة (18) .
وهذا ما اكده الامام عليبن موسى الرضا ثامن ائمة الامامية بقوله:
الاقرار بانه لا اله غيره ولاشبيه له، ولا نظير له، وانه مثبت قديم موجود غير فقير، وليسكمثله شي. (19) كما وقال الطوسي عند
تفسيره لقوله تعالى:
«فاطر السموات والارض جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيهليس كمثله شيء وهو السميع البصير» (20) .
وقوله: «ليس كمثله شيء» قيل في معناه ثلاثة اقوال:
احدها: ليس مثل الله شيء من الموجودات ولا المعدومات.
الثاني: قال الرماني: انه بلغ في نفي الشبيه اذا نفى مثله; لانه يوجب نفي الشبه علىالتحقيق والتقدير، وذلك انه لوقدر له مثل
لميكن له مثل صفاته، ولبطل ان يكون له مثل،ولتفرده بتلك الصفات، وبطل ان يكون مثلا له فيجب ان يكون من له مثل هذه
الصفاتعلى الحقيقة لامثل له اصلا، اذ لو كان له مثل لميكن هو بصفاته، وكان ذلك الشيء الآخرهو الذي له تلك الصفات.
الثالث: انه نفى ان يكون لمثله مثل واذا ثبت انه لا مثل لمثله فلا مثل له ايضا، لانه لو كانله مثل لكان له امثال (21) .
وقوله: «وهو السميع البصير» معناه انه على صفة يجب ان يسمع المسموعات اذا وجدتويبصر المبصرات اذا وجدت وذلك يرجع
الى كونه حيا لا آفة به (22) .
وقداكد الشيخ الطوسي ايمانه بتنزيه الله عن اوصاف المخلوقين متبعا في ذلك قولالامام جعفر الصادق - سادس ائمة اهل البيت
- في هذا الصدد حيثيقول(ع):
هو عز وجل مثبت موجود لامبطل ولامعدود ولا في شيء من صفة المخلوقين، وله (عزوجل) نعوت وصفات واسماؤه حاوية على
مخلوقين مثل السميع والبصير والرؤوفوالرحيم واشباه ذلك، والنعوت نعوت الذات لاتليق الا بالله تبارك وتعالى، والله نور لاظلام
فيه وحي لا موت له وعالم لا جهل فيه وصمد لا مدخل فيه، ربنا نوري الذات حيالذات عالم الذات صمدي الذات (23) .
وقداوضح الشيخ الطوسي هذا الراي الذي عليه اجماع الامامية في كل مناسبة يمرعليها عبر آيات الكتاب العزيز فقال في تفسيره
لقوله تعالى:
«ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظرالى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما
تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا» (24) .
قال الطوسي:
اختلف المفسرون في وجه مسالة موسىعليه السلام ذلك مع ان الرؤية بالحاسة لاتجوز عليهتعالى على ثلاثة اقوال:
احدها: انه سال الرؤية لقومه حين قالوا له «لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة» (25) .
الثاني: في اصل المسالة: انه سال العلم الضروري الذي يحصل في الآخرة، ويكون فيالدنيا; ليزول عنه الخواطر والشبهات، والرؤية
تكون بمعنى العلم كما يكون الادراكبالبصر كما قال: «الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل» (26) .
والثالث: انه سال آية من آيات الساعة التي يعلم معها العلم الذي لايختلج فيه الشك، كمايعلم في الآخر وهذا قريب من الثاني.
وقوله تعالى: «لن تراني» جواب من الله (تعالى) لموسى انه لايراه على الوجه الذي ساله،وذلك دليل على انه لايرى في الدنيا ولافي
الآخرة; لان «لن» تفيد التابيد (27) .
واما التجلي الذي ورد في النص القرآني فيفسره الشيخ الطوسي بما لايخالف رايالامامية في الصفات فيقول:
وقوله «فلما تجلى ربه للجبل» معناه اظهر آياته التي احدثها في الجبل لحاضري الجبل بانجعله دكا (28) .
وقداكد الشيخ الطوسي عدم جواز رؤية الله تعالى في معرض رده على المجسمةوالمشبهة فقال عند تفسيره لقوله تعالى:
«ولو ترى اذ وقفوا على ربهم قال اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بماكنتم تكفرون» (29) :
وقدظن قوم من المشبهة ان قوله «اذ وقفوا على ربهم» انهم يشاهدونه وهذا فاسد لانالمشاهدة لاتجوز الا على الاجسام او على ما
هو حال في الاجسام وقدثبتحدوثذلك اجمع فلايجوز ان يكون تعالى بصفة ما هو محدث (30) .
ومثل هذا الموقف كان الطوسي قد اتخذه عند تفسيره لقوله تعالى «لا تدركه الابصاروهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير» (31) .
فقال:
وفي هذه الآية دلالة واضحة على انه تعالى لايرى بالابصار; لانه تمدح بنفي الادراكعن نفسه، وكلما كان نفيه مدحا غير متفضل به
فاثباته لايكون الا نقصا، والنقص لايليقبه تعالى (32) .
وبهذا يتفق الشيخ الطوسي مع آراء المعتزلة وبعض الصحابة في عدم جواز القول برؤيةالله (تعالى) ولذلك يقول:
وقال الشعبي (33) : قالت عائشة: من قال ان احدا راى ربه فقد اعظم الفرية على الله وقراتالآية، وهو قول السدي وجماعة اهل العدل
من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائيوالرماني وغيرهم... وقال اهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة،
وتاولوا الآية على الاحاطة وقدبينا فساد ذلك (34) .
ولمتنفرد الامامية بالقول بعدم جواز الرؤية على الله (تعالى)، بل شاركهم في هذا الرايالمعتزلة والخوارج والزيدية وكثير من اهل
الحديث، وهذا مااوضحه الشيخ المفيد حيثيقول:
لايصح رؤية الباري سبحانه بالابصار، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر منائمة الهدى من آل محمدصلى الله عليه وآله
وعليه جمهور اهل الامامية وعامة متكلميهم الا من شذمنهم لشبهة عرضت له في تاويل الاخبار، والمعتزلة باسرها توافق اهل
الامامة في ذلك،وجمهور المرجئة وكثير من الخوارج والزيدية وطوائف من اصحاب الحديث، ويخالففيهم المشبهة اخوانهم من
اصحاب الصفات (35) .
وقال الطوسي في تفسيره لقوله تعالى: «وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة» (36) .
وقوله: «الى ربها ناظرة» معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه ان يصل اليهم.
وقوله «ولا ينظر اليهم يوم القيامة» (37) معناه لاينيلهم رحمته.
وقال الطوسي في تفسيره لقوله تعالى: «وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة» (38) .
وقوله: «الى ربها ناظرة» معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه ان يصل اليهم وقوله «ولا ينظر اليهميوم القيامة» (39) «معناه لاينيلهم رحمته،
ويكون النظر بمعنى المقابلة ومنه المناظرة فيالجدل...».
وليس النظر بمعنى الرؤية اصلا بدلالة انهم يقولون: نظرت الى الهلال فلمارهفلوكانبمعنى الرؤية لكان متناقضا...
ثم يقول:
ولوسلمنا ان النظر يعدل الرؤية لجاز ان يكون المراد انها رؤية ثواب ربها; لان الثوابالذي هو انواع الملذات من الماكول والمشروب
والمنكوح تصح رؤيته ويجوز ايضا انيكون الى واحد الآلاء وفي واحدها لغات (الا) مثل قفا و(الى) مثل معى و(الى) مثلحسى فاذا
اضيف الى غيره سقط التنوين، ولايكون (الى) حرفا في الآية وكل ذلك يبطلقول من اجاز الرؤية على الله تعالى (40) .
وليس لاحد ان يقول:
ان الوجه الاخير يخالف الاجماع، اعني اجماع المفسرين وذلك لانا لانسلم لهم ذلك بلقدقال مجاهد وابو صالح والحسن وسعيدبن
جبير والضحاك: ان المراد نظر الثواب.وروي مثله عن عليعليه السلام (41) .
وقدفرق اهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي ويقولون: نظر الغضبان ونظر الراضيونظر عداوة ونظر مودة قال الشاعر:
تخبرني العينان ما الصدر كاتم.
ولاحن بالبغضاء والنظر الشزر.
والرؤية ليست كذلك فانهم لايضيفونها فدل على ان النظر غير الرؤية والمرئي هوالمدرك ولاتصح الرؤية وهي الادراك الا على
الاجسام او الجوهر او الالوان.. ومنشرط المرئي ان يكون هو او محله مقابلا او في حكم المقابل وذلك يستحيل عليه تعالى،فكيف
نجيز الرؤية عليه تعالى؟ (42) .
ووفق هذا التصور فسر الشيخ الطوسي «الوجه» في قوله تعالى:
«ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم» (43) .
فقال: المراد بالوجه فيه اختلاف، قال الحسن ومجاهد: المراد به فثم جهة القبلة، وهيالكعبة; لانه يمكن التوجه اليها من كل مكان.
وقيل: معناه فثم وجهالله فادعوه كيف توجهتم.
وقال آخرون واختاره الرماني والجبائي: فثم رضوان الله، كما يقال وهذا وجه العمل،وهذا وجه الصواب، وكانه قال: للوجه الذي
يؤدي الى رضوان الله (44) .
ومثل ذلك قاله في تفسيره للفظة «يد الله» في قوله تعالى: «يد الله فوق ايديهم» (45) .
قيل في معناه قولان:
احدهما: عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم; لانهم بايعوا الله بيعة النبيصلى الله عليه وآله.
والآخر: قول الله في نصرة نبيهصلى الله عليه وآله فوق نصرتهم.
وقيل: يدالله في هدايتهم فوق ايديهم بالطاعة (46) .
وبهذا يكون الشيخ الطوسي وضح المعنى بما ينسجم والراي الذي اجمع عليه الاماميةبعيدا عن كل تجسيم او تشبيه بصفات
المخلوقين.
وعند تفسيره لقوله تعالى: «وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامةوالسموات مطويات بيمينه» (47) .
قال: ومعنى الآية ان الارض باجمعها في مقدوره كما يقبض عليه القابض فيكون فيقبضته وكذلك قوله «والسموات مطويات
بيمينه» معناه اي في مقدوره طيها وذكرتاليمين مبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك (48) .
وقداكد الشيخ الطوسي ان التشبيه كفر بالله عز وجل وذلك عند تفسيره لسورةالاخلاص فقال:
وقوله «الله الصمد» وقيل في معناه قولان:
احدهما: قال ابن عباس وشقيق وابو وائل: انه السيد المعظم.
الثاني: ان معناه الذي يصمد اليه بالحوائج ليس فوقه احد.
ثم اردف قائلا: ومن قال: الصمد بمعنى المصمت، فقد جهل الله; لانه المصمت هوالمتضاغط الاجزاء، وهو الذي لاجوف له، وهذا
تشبيه وكفر بالله تعالى.
وقوله «لم يلد» نفي منه تعالى لكونه والدا له ولد.
وقوله «ولم يولد» نفي لكونه مولودا له والد; لان ذلك من صفات الاجسام وفيه رد علىمن قال: ان عزير والمسيح ابناء الله تعالى وان
الملائكة بنات الله (49) .
قوله: «ولم يكن له كفوا احد» نفي من الله تعالى ان يكون له مثل او شبيه او نظير (50) .
خلق القرآن
يجمع الامامية على ان القرآن مخلوق محدث لميكن ثم كان (51) .
وهم بذلك يقصدون الالفاظ والحروف المقروءة التي تضمنها كتاب الله تعالى الذي انزلهعلى نبيه الامين محمدبن عبداللهصلى الله
عليه وآله.
وهكذا يتضح اعتقاد الامامية في هذه المسالة والى هذا المعنى اشار السيد الطباطبائيفي الميزان بقوله:
ان اريد بالقرآن هذه الآيات التي تتلوها بما انها كلام دال على معان ذهنية فهو ليسبحسب الحقيقة لاحادثا ولا قديما، وانما هو
متصف بالحدوث بحدوث الاصوات التيهي معنونة بعنوان الكلام والقرآن، وان اريد به ما في علم الله من معانيها الحقة كان
كعلمهتعالى بكل شيء حقا قديما بقدمه، فالقرآن قديم اي علمه تعالى به قديم (52) .
اما الاشعري فيذهب الى ان:
القرآن باعتباره كلاما يدل على معنى العلم الالهي الذي هو عين الذات، فانه قديم منهذه الجهة، وعليه فلايمكن ان يوصف بوصف
زماني، فهو ليس بقديم ولامخلوق ولكنهكلام الله (53) .
والشيخ الطوسي قال كغيره من علماء الامامية بحدوث القرآن، ودافع عن هذا بحماس،ومن ذلك قوله عند تفسيره للآية الكريمة «ما
ياتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهميلعبون» (54) :
وفي هذه الآية دلالة على ان القرآن محدث; لانه تعالى اخبر انه ليس ياتيهم ذكر محدثمن ربهم الا استمعوه، وهم لاعبون، ثم قال:
والاستماع لايكون الا في الكلام،وقدوصفه بانه محدث فيجب القول بحدوثه (55) .
كما واكد الشيخ الطوسي مثل هذا المعنى عند تفسيره لقوله تعالى:
«وهذا ذكر مبارك انزلناه افانتم له منكرون» (56) .
فقال:
وفي ذلك دلالة على حدوثه، لان مايوصف بالانزال وبانه مبارك يتنزل به لايكونقديما; لان ذلك من صفات المحدثات (57) .
ونجده في موضع آخر وعند تفسيره لقوله تعالى:
«ما ننسخ من آية او ننسها نات بخير منها او مثلها الم تعلم ان الله على كل شيء قدير» (58) يقول:
وفي الآية دليل على ان القرآن غير الله، وان الله هو المحدث له والقادر عليه; لانماكان بعضه خيرا من بعض او شرا من بعض فهو
غير الله لامحالة، وفيها دليل ان الله قادرعليه وماكان داخلا تحت القدرة فهو فعل والفعل لايكون الا محدثا; ولانه لوكان قديمالماصح
وجود النسخ فيه (59) .
وظل الشيخ الطوسي متبنيا لراي الامامية في مسالة خلق القرآن، ويستثمر لذلك الرايوالدفاع عنه كل مناسبة يمكنه الحديث
من خلالها حول هذا الموضوع، ولذلك نراه عندمايفسر قوله تعالى: «انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون» (60) .
يقول:
وفيه دلالة على حدوثه; لان المجعول هو المحدث; ولان مايكون عربيا لايكون قديمالحدوث العربية، فان قيل: معنى جعلناه
سميناه; لان الجعل قديكون بمعنى التسمية،قلنا: لايجوز ذلك - هاهنا - لانه لوكان كذلك لكان الواحد منا اذا سماه عربيا فقد
جعلهعربيا، وكان يجب لوكان القرآن على ما هو عليه، وسماه اعجميا لن يكون اعجميا، اوكان يكون بلغة العجم وسماه عربيا لنيكون
عربيا; وكل ذلك فاسد (61) .
العدل
وهو الاصل الثاني من اصول الدين عند الشيعة الامامية الذين يعتقدون:
ان من صفات الله الثبوتية الكمالية انه عادل غير ظالم، فلايجور في قضائه ولايحيف فيحكمه، يثيب المطيعين، وله ان يجازي
العاصين، ولايكلف عباده مالايطيقون، ولايعاقبهم زيادة على مايستحقون، وانه سبحانه لايترك الحسن عند عدم المزاحمة،ولايفعل
القبيح لانه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسنالحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك الحسن وعن فعل
القبيح، فلا الحسن يتضرر بفعلهحتى يحتاج الى تركه، ولاالقبيح يفتقر اليه حتى يفعله، وهو مع كل ذلك حكيم لابد انيكون فعله
مطابقا للحكمة، وعلى حسب النظام الاكمل... وبذلك فان الله تعالى منزه عنالظلم وفعل ماهو قبيح (62) .
وقدتطرق الشيخ الطوسي الى جملة من المسائل التي تتصل بالعدل، وطرح رايه فيها،وناقش آراء من يختلف معهم، وفند ما لميقم
عليه دليل من تلك الآراء، كما انه اتفق مع غيرالامامية في كثير من هذه المسائل، وبين اوجه التشابه بينها، وهنا نعرض لبعض
تلكالمسائل التي ادلى فيها الشيخ الطوسي بدلوه، وهو يفسر آيات الكتاب المجيد:
. الظلم والفساد: تعرض الشيخ الطوسي لمسالة الظلم والفساد، وعلاقة ذلك باللهتعالى، فاكد تنزيهه سبحانه، فقال في تفسيره
لقوله تعالى: «وما الله يريد ظلما للعباد»: (63) .
انه تعالى لايريد ظلما للعباد ولايؤثره لهم، وذلك دال على فساد قول المجبرة الذينيقولون: ان كل ظلم في العالم بارادة الله (64) .
وقال في تفسيره لقوله تعالى:
«ان الله لا يظلم مثقال ذرة و ان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما» (65) .
وفي الآية دلالة على ان منع الثواب ظلم، وفيه ايضا دلالة على انه قادر على الظلم لانهاصفة تعظيم وتنزيه عن فعل مايقدر عليه، فانه
لايفعله لعلمه بقبحه ولانه غني عنه; ولانهلوفعل لكان ظالما... وذلك منزه عنه تعالى (66) .
وقال عند تفسيره للآية الكريمة : « وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهميظلمون » (67) :
فانه تعالى لميظلم احدا من العباد، بل كانوا انفسهم يظلمون بجحدهم نعم الله واتخاذهممع الله آلهة عبدوها، وطغيانهم وفسادهم
في الارض، وذلك يدل على فساد قولالمجبرة الذين قالوا: ان الظلم من فعل الله; لانه لوكان من فعله لماكانوا هم الظالمينانفسهم،
بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم (68) .
كما ويرى المفسر ان في الآية الكريمة «واما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهماجورهم والله لا يحب الظالمين» (69) دلالة على
بطلان مذهب المجبرة في ان الله تعالى يريدالظلم; لانه قال: «لا يحب الظالمين» واذا لميحب الظلم لميحب فعل الظلم; لانه انما
لميجزمحبة الظالم لظلمه، والمحبة هي الارادة، وفي الآية دلالة على انه لايجازي المحسن بمايستحقه المسيء ولاالمسيء بما
يستحقه المحسن; لان ذلك ظلم (70) .
كما واحتج الشيخ الطوسي على المجبرة الذين ينسبون الظلم الى الله (تعالى) بدليلينوذلك عندما فسر قوله تعالى:
«ذ لك بما قدمتيداك وان الله ليس بظلام للعبيد» (71) .
قال:
انه تعالى لايفعل القليل من الظلم لامرين: احدهما: انه خرج مخرج جواب للمجبرةوردا عليهم; لانهم ينسبون كل ظلم في العالم
اليه تعالى، فبين انه لوكان كما قالوا لكانظلاما وليس بظالم.
الثاني: انه لوفعل اقل قليل الظلم لكان عظيما منه، لانه يفعله من غير حاجة اليه، فهواعظم من كل ظلم فعله فاعله لحاجته اليه (72) .
افعال العباد
اختلفت المدارس الاسلامية في آرائها حول مسالة حرية الارادة بالنسبة للانسان،وفيما اذا كانت افعاله التي يقوم بها تاتي بمحض
ارادته واختياره ام انه مجبور على فعلهاومسير ازائها، ولايملك الا ان يفعل، وفي ذلك نشات مدارس مختلفة في الراي ومتباينة
فيالاتجاه، تطرفت احداهن للقول: ان الانسان مجبور ومسير، وانه لابد له من الاستجابة،لماجبل عليه من فعل الخير او الشر،
وقالت اخرى:
بان الانسان مفوض اليه فعله، فهو يفعل كما لو لمتكن هناك ارادة الهية تتصرف في هذاالوجود، وبين هذه المدرسة وتلك وقفت
المدرسة الامامية لتقول كلمتها فكانت على لسانالامام جعفربن محمدالصادقعليه السلام حيث قال:
«لاجبر ولاتفويض ولكن امر بين امرين» (73) .
وبذلك كانت المدرسة الامامية تحتل الموقف الوسط بين المدارس الاسلامية الاخرىوتمثل الاعتدال في الراي وقداكد ذلك الامام
الصادقعليه السلام حين سئل عن الجبر والقدر فقال:
(لاجبر ولاقدر ولكن منزلة بينهما، فيها الحق... لايعلمها الا العالم او من علمها اياهالعالم) (74) .
وقددافع الشيخ الطوسي عن الراي الذي تتبناه المدرسة الامامية في هذا المجال،وطرح رايه في اكثر من موقف، كما ناقش
المجبرة كثيرا، وفند آراءهم، وهو يمر بعشراتالآيات القرآنية مفسرا.
فقال في تفسيره لقوله تعالى:
«ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذ لك كان سيئهعند ربك مكروها» (75) .
قال:
فخص من ذلك السيء بانه مكروه عند الله لانه تعالى لايكره الحسن وفي ذلك دلالةعلى بطلان مذهب المجبرة من ان الله يريد
المعاصي لان هذه الآية صريحة بان السيءمن الافعال مكروه عند الله (76) .
وقال عند تفسيره لقوله تعالى:
«ومانرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن آمن واصلح فلا خوف عليهم ولا هميحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما
كانوا يفسقون» (77) .
فقال:
ثم اخبر ان المرسل اليهم مختارون غير مجبرين ولامضطرين، ودل على انه غير محدثلشيء من افعالهم فيهم، وان الافعال لهم
هم يكتسبونها بما خلق الله فيهم من القدرة وانهقدهداهم وبين لهم وبشرهم وانذرهم فمن آمن اثابه ومن عصاه عاقبه،
ولوكانوامجبورين على المعاصي مخلوقا فيهم الكفر، ولميجعل فيهم القدرة على الايمان لماكانللآية معنى (78) .
وقال الطوسي عند تفسيره للآية الكريمة:
«ان الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخر ج الميت من الحي ذ لكم اللهفانى تؤفكون» (79) .
وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال: ان الله (تعالى) يحول بين العبد وبين مادعاهاليه، اذ يخلق فيه مانهاه عنه...; لانه قال:
«فانى تؤفكون» ولوكان شيئا من ذلك لكان هوالموفك لهم والصارف، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (80) .
وعند تفسيره لقوله تعالى:
«ان الله لايظلم الناس شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون » (81) .
قال الشيخ الطوسي:
اخبر الله تعالى في هذه الآية على وجه التمدح به بانه لايظلم احدا شيئا، وانما الناس همالذين يظلمون انفسهم بارتكاب مانهى الله
عنه من القبائح، فيستحقون بها عقابا، فكانهمالذين ادخلوا عليها ضررا، فلذلك كانوا ظالمين لانفسهم والمعنى - هاهنا - ان الله
لايمنعاحدا من الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن وادلته، ولكنهم يظلمون انفسهم بتركالنظر فيه والاستدلال به وتفويتهم
انفسهم الثواب وادخالهم عليها العقاب، ففي الآيةدلالة على ان فاعل الظلم ظالم كما ان فاعل الكسب كاسب، وليس لهم ان يقولوا
بفعلالظلم ولايكون ظالما به (82) .
وبهذا يكون الشيخ الطوسي قدنفى الراي القائل بان الله هو الخالف لافعال العباد وليسللانسان القدرة على فعلها.
واكد هذا المعنى ايضا في تفسيره لقوله تعالى:
«ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحدالقهار» (83) .
فقال:
ومن تعلق من المجبرة بقوله «قل الله خالق كل شيء» (84) على ان افعال العباد مخلوقة لله فقدابعد، لان المراد بذلك ماقدمناه من
انه تعالى خالق كل شيء يستحق بخلقه العبادة دونمالايستحق به ذلك، ولوكان المراد ماقالوه لكان فيه حجة للخلق على الله تعالى
وبطلالتوبيخ الذي تضمنته الآية الى من وجه عبادته الاصنام; لانه اذا كان الخالق لعبادتهمالاصنام هو الله على قول المجبرة
فلاتوبيخ يتوجه على الكفار، ولالوم يلحقهم، بل لهمان يقولوا: انك خلقت فينا ذلك فما ذنبنا فيه، ولم توبخنا على فعل فعلته؟
فتبطل حينئذفائدة الآية (85) .
وهذا المعنى كان قداكده الشيخ المفيد وهو استاذ مفسرنا حين قال:
«الصحيح عن آل محمدصلى الله عليه وآله: ان افعال العباد غير مخلوقة لله».
من هنا نجد الشيخ الطوسي حين يفسر قوله تعالى: «والله خلقكم وما تعملون» (86) .
يقول:
ثم نبههم فقال: والله تعالى هذا الذي خلقكم وخلق الذي تعملون فيه من الاصنام; لانهااجسام، والله تعالى هو المحدث لها، وليس
للمجبرة ان تتعلق بقوله «والله خلقكم وماتعملون» فنقول: ذلك يدل على ان الله خالق لافعالنا، لامور:
احدها: ان موضوع كلام ابراهيم لهم بني على التقريع لهم لعبادتهم الاصنام، ولوكان منفعله تعالى لماتوجه عليهم العيب، بل كان
لهم ان يقولوا:
لمتوبخنا على عبادتنا للاصنام والله الفاعل لذلك فكانت الحجة لهم لاعليهم.
الثاني: انه قال لهم «اتعبدون ما تنحتون» ونحن نعلم انهم لميكونوا يعبدون نحتهم الذيهو فعلهم، وانما يعبدون الاصنام التي هي
الاجسام وهي فعل الله بلاشك. فقال لهم «واللهخلقكم» وخلق هذه الاجسام (87) .
وقداتفق الامامية مع المعتزلة في مسالة افعال العباد عندما قالوا بان العبد قادر خالقلافعاله خيرها وشرها مستحق على مايفعله
ثوابا وعقابا في الدار الآخرة، والرب تعالىمنزه ان يضاف اليه شر وظلم وفعل، هو كفر ومعصية; لانه لوخلق الظلم كان ظالما، كما
لوخلق العدل كان عادلا (88) .
الحسن والقبح
الحسن والقبيح صفتان كاملتان في ذوات الاشياء، فبعضها حسن وبعضها قبيح، وانالعقل الذي هو الرسول الباطن يدركهما،
ويحكم بهما قبل ورود الشرع (89) .
ولهذا فالقبح والحسن عقليان قبل ان يكونا شرعيين ولذا فالانسان باعتباره كائنا عاقلاوخالقا لافعاله، فهو مسؤول عنها، ومثل هذا
الراي قالتبه المعتزلة فقسموا الافعال الىحسنة وقبيحة، وراوا ان الانسان قادر ان يميز بعقله قبل ورود الشرع بين حسنها وقبيحها (90) .
والى هذا يذهب الشيخ الطوسي اثناء التفسير فيقول عند تفسيره لقوله تعالى: «وقالوا لوشاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذ لك من
علم ان هم الا يخرصون» (91) .
قال:
فيه ابطال لمذهب المجبرة في ان الله تعالى يريد القبيح من افعال العباد لاناللهتعالى قطععلى كذبهم في اناللهتعالى يشاء
عبادتهم للملائكة وذلك قبيح لامحالة وعند المجبرة:الله تعالى شاءه. وقدنفاه تعالى عن نفسه وكذبهم في قوله (92) .
وفي هذا يقول الشيخ الطوسي عند تفسيره للآية الكريمة.
«وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولونهو من عند الله وما هو من عند الله
ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون» (93) .
وقوله «وما هو من عند الله» دلالة على ان المعاصي ليست من عند الله بخلاف ماتقولهالمجبرة، ولا من فعله لانها لوكانت من عنده
وليس لهم ان يقولوا انها من عنده خلقاوفعلا وليست من عنده انزالا ولاامرا، وذلك انها لوكانت من عنده فعلا او خلقا لكانتمن عنده
على آكد الوجوه فلم يجز اطلاقا النفي بانها ليست من عند الله. وكما لايجوز انتكون من عند الله من وجه من الوجوه لاطلاق النفي
بانه ليس من عند الله، فوجب العمومفيها باطلاق النفي (94) .
واكد المفسر هذا المعنى عند تفسيره لقوله تعالى:
«سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذ لك كذب الذينمن قبلهم حتى ذاقوا باسنا قل هل
عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان انتم الاتخرصون» (95) . فقال:
وفي هذه الآية اول دلالة على ان الله لايشاء المعاصي والكفر، وتكذيبظاهر لمن اضاف ذلك الى الله، مع قيام ادلة العقل على انه
تعالى لايريد القبيح;لان ارادة القبيح قبيحة، وهو لايفعل القبيح، ولان هذه صفة نقص فتعالى الله عنذلك علوا كبيرا (96) .
وبهذا وغيره اكد الشيخ الطوسي على ان المسؤولية تقع على العبد نفسه في اختيارهللحسن والقبيح من الاعمال، وان الله لميسلب
منه حرية الاختيار بعد ان زوده بالعقل الذيبواسطته يستطيع التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر والحسن والقبيح.
«فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (97) .
النبوة
وهي الاصل الثالث من اصول الدين عند الشيعة الامامية، وهم يعتقدون.
بان النبوة وظيفة الهية وسفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتخبه ويختاره من عبادهالصالحين واوليائه الكاملين في انسانيتهم
فيرسلهم الى سائر الناس لغاية ارشادهم الىما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من
درنمساوئ الاخلاق ومفاسد العادات وتعليمهم الحكمة والمعرفة وبيان طرق السعادةوالخير لتبلغ الانسانية كما لها اللائق بها،
فترتفع الى درجاتها الرفيعة في الدارين...، كماوان الله تعالى لميجعل للناس حق تعيين النبي او ترشيحه او انتخابه وليس لهم
الخيرةفي ذلك، بل امر كل ذلك بيده تعالى، وليس لهم ان يتحكموا فيمن يرسله هاديا ومبشراونذيرا ولا ان يتحكموا فيما جاء به
من احكام وسنن وشريعة (98) .
ويعتقد الامامية ان قاعدة اللطف توجب ان يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله، لهدايةالبشر واداء الرسالة الاصلاحية، وليكونوا سفراء
الله وخلفاءه (99) وهم بذلك يتفقون معالمعتزلة الذين اعتبروا النبوة لطفا حين بعث الله الانبياء; لان المؤمنين ماكانوا بغير
بعثتهميؤمنون (100) ، في حين خالفوا الاشاعرة الذين قالوا بان انبعاث الرسل من القضايا الجائزةلاالواجبة ولاالمستحيلة (101) .
كما ويعتقد الامامية بوجوب عصمة (102) الانبياءعليهم السلام، ويستدلون على وجوبها بقولهم:
لوجاز ان يفعل النبي المعصية، او يخطا وينسى، وصدر منه شيء من هذا القبيل فاما انيجب اتباعه في فعله الصادر منه عصيانا او
خطا، او لايجب، فان وجب اتباعهفقدجوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى، بل اوجبنا ذلك، وهذا باطل بضرورةالدين والعقل،
وان لميجب اتباعه، فذلك ينافي النبوة التي لابد ان تقترن بوجوب الطاعةابدا، على ان كل شيء يقع منه من فعل او قول فنحن
نحتمل فيه المعصية او الخطا،فلايجب اتباعه في شيء من الاشياء، فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبي كسائر الناسليس لكلامه
ولالعمله تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائما، كما لاتبقى طاعةحتمية لاوامره ولاثقة مطلقة باقواله وافعاله (103) .
ويذهب الامامية الى اكثر من ذلك، حيثيعتقدون بعصمة الانبياء حتى قبل بعثتهم،والى هذا المعنى يشير السيد المرتضى مبينا
وجه الخلاف بين الامامية وغيرهم منالمذاهب الاسلامية في هذا المجال فيقول:
اختلف الناس في الانبياءعليهم السلام، فقالت الشيعة الامامية: لايجوز عليهم شيء من المعاصيوالذنوب كبيرا وصغيرا لاقبل النبوة
ولابعدها، بينما جوز اصحاب الحديث والحشويةعلى الانبياء الكبائر قبل النبوة، ومنهم جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما
يتعلقباداء الشريعة، ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الانبياءعليهم السلام:قبل النبوة وفي حالها، وجوزت
في الحالين وقوع مالايستخف من الصغائر (104) .
وقددافع الشيخ الطوسي في تفسيره عن عصمة الانبياء جميعا دون استثناء ففي تفسيرهقوله تعالى: «ليغفر لك الله ما تقدم من
ذنبك وما تاخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطامستقيما» (105) ذكر احتمالات اربعة كان قد اوردها المفسرون للمراد من الذنب
الذي ذكرتهالآية الكريمة، ثم جاء عليها لينسفها جميعا دفاعا عن الانبياء وايمانا منه بعصمتهم، فقالبعد ان ذكر الاحتمالات الاربعة
والتي هي:
احدها: ماتقدم من معاصيك قبل النبوة وماتاخر عنها.
الثاني: ماتقدم قبل الفتح وتاخر عنه.
الثالث: ماقد وقع منك ومالميقع على طريق الوعد بانه يغفره له اذا كان.
الرابع: ماتقدم من ذنب ابيك آدم وماتاخر عنه (106) .
وهذه الوجوه كلها لاتجوز عندنا، لان الانبياءعليهم السلام لايجوز عليهم فعل شيء من القبيحلاقبل النبوة ولابعدها، لاصغيرها
ولاكبيرها. فلايمكن حمل الآية على شيء مما قالوهولاصرفها الى آدم لان الكلام فيه كالكلام في نبينا محمدصلى الله عليه وآله (107) .
وبنفس هذه الروح دافع عن عصمة آدمعليه السلام وهو يفسر قوله تعالى:
«فاكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربهفغوى» (108) فقال:
قال قوم آخرون انه وقع من آدم عند اكل الشجرة خطا; لانه كان نهي عن جنس الشجرةفظن انه نهي عن شجرةبعينها فاخطا في
ذلك، وهذا خطا; لانه تنزيه له من وجه المعصيةونسبة المعصية اليه من وجهين: احدهما: انه فعل القبيح، والثاني: انه اخطا
فيالاستدلال، وقال قوم: انها وقعت منه عمدا وكانت صغيرة، وقعت محبطة، وقدبينا انذلك لايجوز عليهمعليهم السلام عندنا
بحال (109) .
ونراه في مكان آخر يرد على الجبائي وهو يفسر قوله تعالى:
«عفا الله عنك لم اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين» (110) .
فيقول:
وقال ابو علي الجبائي في الآية دلالة على ان النبيصلى الله عليه وآله كان وقع منه ذنب في هذا الاذن.قال: لانه لايجوز ان يقال لم
فعلت ماجعلت لك فعله؟ كما لايجوز ان يقول لمفعلتماامرتك بفعله، وهذا الذي ذكره غير صحيح لان قوله «عفا الله عنك» انما هي
كلمة عتابلهصلى الله عليه وآله لمفعل ماكان الاولى به ان لايفعله; لانه وان كان فعله من حيث لميكن محظورا فانالاولى ان لايفعله،.
.. وكيف يكون ذلك معصية وقدقال الله في موضع آخر «فاذا استاذنوكلبعض شانهم فاذن لمن شئت منهم» وانما اراد الله انه كان
ينبغي ان ينتظر تاكيد الوحي فيه،ومن قال: هذا ناسخ لذلك فعليه الدلالة (111) .
وهكذا يظل الشيخ الطوسي مدافعا عن كل مامن شانه ان يشين من عصمة الانبياء سلامالله عليهم ويرد من يتوهم وقوعهم حتى
في الصغائر، لذلك نجده عند تفسيره لقوله تعالى:
«قال رب اغفر لي و لاخي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمين» (112) .
يقول:
ومن قال: انه - اي موسىعليه السلام - استغفر من صغيرة كانت منه او من اخيه فقد اخطا، ويقالله: الصغيرة على مذهبكم تقع
مكفرة محبطة فلامعنى لسؤال المغفرة لها (113) .
وقد اكد المفسر:
ان الانبياءعليهم السلام لايجوز عليهم شيء من القبائح لاكبيرها ولاصغيرها لان ذلك يؤدي الىالتنفير عن قبول قولهم، والانبياء
منزهون عما ينفر عنهم على كل حال (114) .
الامامة
وهي الاصل الرابع من اصول الدين عند الشيعة الامامية الذين يرون ان الايمان لايتمالا بالاعتقاد بها، ولايجوز فيها تقليد الآباء
والاهل والمربين مهما عظموا وكبروا، بل يجبالنظر في التوحيد والنبوة، وانها كالنبوة لطف من الله تعالى، فلابد ان يكون في كل
عصر امامهاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وارشادهم الى ما فيه الصلاح والسعادة فيالنشاتين، وله ماللنبي من الولاية
العامة على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم واقامة العدلبينهم ورفع الظلم والعدوان من بينهم، وعلى هذا فالامامة استمرار للنبوة
والدليل الذييوجب ارسال الرسل، وبعث الانبياء هو نفسه يوجب ايضا نصب الامام بعد الرسول، كماوان الامامية يعتقدون بان
الامامة لاتكون الا بالنص من الله تعالى على لسان النبي او لسانالامام الذي قبله، وليست هي بالاختيار والانتخاب من الناس (115)
وان الامام كالنبي يجب انيكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش (116) ومن السهو والخطا والنسيان، والدليل الذياقتضى
عصمة الانبياء هو نفسه يقتضي الاعتقاد بعصمة الائمة (117) .
ويختلف الامامية مع المعتزلة في مسالة النص على الامام.
فالشيعة الامامية يقولون بوجوب النص من الله تعالى على لسان النبيصلى الله عليه وآله للامام،والامامة عندهم ليستبالاختيار
والانتخاب، وهذا مااكده الشيخ المفيد حين قال:
اتفقت الامامية على ان الامامة لاتثبت مع عدم المعجز لصاحبها الا بالنص على عينهوالتوقيف، واجمعت المعتزلة والزيدية
والمرجئة والمتسمون باصحاب الحديث علىخلاف ذلك، واجازوا الامامة في من لامعجز له ولانص عليه ولاتوقيف (118) .
وترى المعتزلة: «ان الامامة تكون بانعقاد راي الامة على اختيار من يكون لها اماما فيشؤون دينها ودنياها» (119) .
واختيار الامة الذي تراه ملزما في تنصيب الامام يختلف تماما مع النص الذي تؤمن بهالامامية والتي لادخل للامة فيه اطلاقا، حيث
ان النص من قبل الله ورسوله بينما الاختيارمن قبل الامة، وهو ماترفضه الامامية ولاترى في اختيارها لامام ما ملزما لطاعته شرعا.
ويرى الاماميون ان الامامة منصب الهي سنه الله للبشر كما سن النبوة، وان الفرق بينالنبي والامام هو:
ان الامام لايوحى اليه كالنبي وانما يتلقى الاحكام منه مع تسديد الهي فالنبي مبلغ عنالله والامام مبلغ عن النبي (120) .
وبهذا فالامامة رئاسة دينية وزعامة الهية ونيابة عن الرسول في اداء وظائفه (121) وقداشترطوا في الامام شروطا لابد من توفرها فيه
ففي الامام عليبن موسى الرضاصلى الله عليه وآلهقال:
الامام عالم لايجهل راع لاينكل.. نامي العلم كامل الحلم.. مضطلع بالامامة عالمبالسياسة مفروض الطاعة قائم بامر الله عز وجل
ناصح لعباد الله حافظ لدين الله (122) .
ومن كل ماتقدم يتضح لنا ان من شروط الامامة هي:
. العصمة.
. الاعلمية.
3. النص على امامته.
وبهذا اجمعت الامامية على ان امام الدين لايكون الا معصوما من الخلاف لله تعالى،عالما بجميع الدين، كاملا في الفضل باينا من
الكل بالفضل عليهم في الاعمال التي يستحقبها النعيم المقيم (123) .
واجمعت المعتزلة والفرق الخارجة عن سمة الامامية على خلاف ذلك، وجوزوا انيكون الائمة عصاة في الباطن وممن يقارف الآثام،
ولايجوز الفضل، ولايكمل علومالدين (124) .
والشيخ الطوسي يتطرق لموضوع عصمة الامام في مواضع كثيرة من التبيان فيقول:
عند تفسيره للآية الكريمة: «و اذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلكللناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي
الظالمين» (125) فيقول:
واستدل اصحابنا - يعني الامامية - بهذه الآية على ان الامام لايكون الا معصوما منالقبائح لان الله تعالى نفى ان ينال عهده - الذي
هو الامامة - ظالم ومن ليس بمعصوم فهوظالم: اما لنفسه او لغيره (126) .
ويقول الشيخ الطوسي رادا على مخالفيه في هذا الموضوع عند تفسيره لقوله تعالى:«يسالونك عن الساعة ايان مرساها قل انما
علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت فيالسموات والارض لا تاتيكم الا بغتة يسالونك كا نك حفي عنها قل انما علمها عند الله
ولكناكثر الناس لا يعلمون» (127) .
يقول:
قال الجبائي: وفي الآية دليل على بطلان قول الرافضة من ان الائمة معصومون منصوصعليهم واحدا بعد الآخر الى يوم القيامة; لان
على هذا لابد ان يعلم آخر الائمة ان القيامةتقوم بعده، ويزول التكليف عن الخلق، وذلك خلاف قوله: «قل انما علمها عند الله».
وهذا الذي ذكره باطل; لانه لايمتنع ان يكون آخر الائمة يعلم انه لا امام بعده وان لميعلممتى تقوم الساعة; لانه لايعلم متى يموت،
فهو يجوز ان يكون موته عند قيام الساعة، اذااردنا انه وقت فناء الخلق. وان قلنا: ان الساعة عبارة عن وقت قيام الناس في
الحشرفقدزالت الشبهة; لانه اذا علم انه يفنى الخلق بعده لايعلم متى يحشر الخلق (128) .
وعن وجوب اطاعة الائمة قال الشيخ الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى «يا ايها الذينآمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر
منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى اللهوالرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذ لك خير واحسن تاويلا» (129) .
روى اصحابنا عن ابي جعفر - يعني محمد الباقر - وابي عبدالله - يعني جعفرالصادقعليهما السلام - انهم الائمة من آل محمد،
فلذلك اوجب الله تعالى طاعتهم بالاطلاق، كمااوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك، ولايجوز ايجاب طاعة احد مطلقا الا من
كانمعصوما مامونا منه السهو والغلط (130) .
وبهذا فان الشيخ الطوسي كغيره من علماء الامامية يرى ان الائمة ليسوا معصومين عنالمعاصي والقبائح فحسب، وانما هم
معصومون حتى من السهو ايضا، من هنا جاء تاكيدهعلى ولايتهم للامر بعد الرسول كما ورد في تفسيره لقوله تعالى: «و اذا جاءهم امر
من الامن اوالخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول و الى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولافضل الله عليكم
ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا» (131) . قال ابو جعفرعليه السلام: «هم الائمةالمعصومون (132) ».
هذا وقداكد مفسرنا على امامة الائمة وفي اكثر من موضع من تبيانه فهو عندما يفسرقوله تعالى: «انما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهمراكعون» (133) يقول:
واعلم ان هذه الآية من الدلالة الواضحة على امامة امير المؤمنينعليه السلام بعد النبيبلافصل، ووجه الدلالة فيها انه قدثبت ان
الولي في الآية بمعنى الاولى والاحق، وثبتايضا المعنى بقوله: «والذين آمنوا»: امير المؤمنينعليه السلام، فاذا ثبت هذان الاصلان
دل علىامامته (134) .
كما واكد الشيخ الطوسي افضلية الامام عليعليه السلام عند تفسيره للآية الكريمة:
«ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما و ان تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالحالمؤمنين والملائكة بعد ذ لك ظهير» (135) .
يقول المفسر:
وروت الخاصة والعامة ان المراد بصالح المؤمنين علي بن ابي طالبعليه السلام، وذلك يدل علىانه افضلهم (136) .
وقال عند تفسيره لقوله تعالى: «يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك و ان لم تفعل فمابلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان
الله لا يهدي القوم الكافرين» (137) :
قال ابو جعفر وابو عبداللهعليهما السلام: ان الله تعالى لمااوحى الى النبيصلى الله عليه وآله ان يستخلف عليا كانيخاف ان يشق
ذلك على جماعة من الصحابة، فانزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له علىالقيام بما امره بادائه (138) .
وهكذا ظل الشيخ الطوسي مدافعا عن راي الامامية في الامامة والامام وعصمته فيذكرالراي المخالف ويدحضه، وتبنى الراي
المتفق مع رايه فيثبته، مع تبيان اوجه الخلاف انوجدت، ومثل ذلك قد ورد في تفسيره لقوله تعالى «ويوم نبعث في كل امة شهيدا
عليهم منانفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمةوبشرى للمسلمين» (139) فقال:
وفي ذلك دلالة على ان كل عصر لايخلو ممن يكون قوله حجة على اهل عصره عدلعند الله، وهو قول الجبائي واكثر اهل العدل،
وهو قولنا، وان خالفناهم في من هو ذلكالعدل والحجة (140) .
وفي احيان كثيرة يستشهد الشيخ الطوسي بروايات عن الصحابة ليؤكد ويدعم صحةمايذهب اليه من عصمة الائمة، فيقول عند
تفسيره لقوله تعالى:
«انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا» (141) :
روى ابو سعيد الخدري وانسبن مالك وعائشة وام سلمة و واثلة بن الاسقع: ان الآيةنزلت في النبيصلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة
والحسن والحسينعليهم السلام فروى عن ام سلمة انها قالت:ان النبيصلى الله عليه وآله كان في بيتي فاستدعى عليا وفاطمة
والحسن والحسين، وجللهم بعباءةخيبرية ثم قال: «اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فقالتام سلمة:
قلتيارسول الله هل انا من اهل بيتك؟ فقال: لا ولكنك الى خير» (142) .
ثم قال الشيخ الطوسي بهذا الصدد:
واستدل اصحابنا - يعني الامامية - بهذه الآية على ان في جملة اهل البيت معصومالايجوز عليه الغلط، وان اجماعهم لايكون الا
صوابا بان قالوا ليس يخلو ارادة اللهلاذهاب الرجس عن اهل البيت من ان يكون هو مااراد منهم من فعل الطاعاتواجتناب المعاصي،
او يكون عبارة عن انه اذهب عنهم الرجس بان فعل لهم لطفا،واختاروا عنده الامتناع من القبائح (143) .
والشيخ الطوسي حين يمر على قوله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماواسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد
منكم جزاءا ولا شكورا انا نخاف من ربنا يوما عبوساقمطريرا» (144) يقول:
انها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عندما آثروا المسكين واليتيم والاسيرثلاث ليال على افطارهم، وذلك برواية الخاصة
والعامة (145) .
وهنا يؤكد اجماع المسلمين على ان هذه الآية نزلت في علي وزوجته وولديهعليهم السلام،وهكذا يبقى الشيخ الطوسي وفيا
لمعتقده، يدافع عنه بحرارة، ولنيمر على آية من كتاب الله،يتلمس فيها دليلا على صحة رايه الا واستشهد بها، واشبعها بحثا وتحليلا
واستقصاءا.
التقية
وهي سمة عرفتبها الامامية دون غيرها من الطوائف والامم، وقدكانتشعارا لآلالبيتعليهم السلام دفعا للضرر عنهم وعن اتباعهم
وحقنا لدمائهم واستصلاحا لحال المسلمينوجمعا لكلمتهم ولما لشعثهم،
وهذا امر تقتضيه الفطرة، ومعلوم ان الامامية وائمتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوفالضيق على حرياتهم في جميع العهود ما
لمتلاقه اية طائفة او امة اخرى، فاضطروا فياكثر عهودهم الى استعمال التقية بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم
وستراعتقاداتهم واعمالهم المختصة بهم عنهم لماكان يتعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا،ولهذا السبب امتازوا بالتقية، وعرفوا
بها دون سواهم (146) .
والشيخ الطوسي يرى ان التقية واجبة عند الخوف على النفس، ولذلك نجده في تفسيرهلقوله تعالى:
«لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذ لك فليس من الله فيشيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله
نفسه و الى الله المصير» (147) .
يقول:
والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس وقد روي رخصة في جواز الافصاحبالحق عندها. روي الحسن ان مسيلمة الكذاب اخذ
رجلين من اصحاب الرسول اللهصلى الله عليه وآلهفقال لاحدهما اتشهد ان محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فقال له: اتشهد اني رسول
الله؟قال: نعم، ثم دعا بالآخر ففقال، اتشهد ان محمدا رسولالله؟ قال: نعم، فقال له: اتشهداني رسولالله؟ قال: اني اصم - قالها ثلاثا
كل ذلك تقية - فتقول ذلك، فضرب عنقه فبلغذلك رسول اللهصلى الله عليه وآله - فقال:
اما هذا المقتول فمضى على صدقه وتقيته واخذ بفضله فهنيئا له، واما الآخر فقبلرخصة الله فلاتبعة عليه، فعلى هذا التقية رخصة
والافصاح بالحق فضيلة، وظاهراخبارنا يدل على انها واجبة وخلافها خطا (148) .
وهذا مااستند عليه الشيخ الطوسي في الحديث المروي عن الامام جعفر الصادقعليه السلامحيثيقول:
«التقية ديني ودين آبائي» «ومن لاتقية له لادين له» (149) .
وهو ما اجمعت عليه الامامية، حيثيقول الشيخ المفيد:
التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس، وقدتجوز في حال دون حال للخوفعلى المال ولضروب من الاستصلاح، واقول: انها
قدتجب احيانا وتكون فرضا (150) .
وقال ايضا:
التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقبضررا في الدين او الدنيا، وفرض ذلك اذا علم
بالضرورة، او قوي في الظن، فمتى لميعلمضررا باظهار الحق، ولاقوي في الظن ذلك لميجب فرض التقية (151) .
وقدناقش الشيخ الطوسي راي الجبائي المعتزلي القائل بمنع التقية على النبي والامامفقال عندما فسر قوله (تعالى):
«و اذا رايت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره و اماينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع
القوم الظالمين» (152) .
فقال:
واستدل الجبائي بهذه الآية على انه لايجوز على الائمة المعصومين على مذهبنا التقيةقال: لانهم اذا كانوا الحجة كانوا مثل النبي
وكما لايجوز عليه التقية فكذا الامام - علىمذهبكم.
وهذا ليس بصحيح لانا لانجوز على الامام التقية فيما لايعرف الا من جهته كالنبي وانمانجوز التقية عليه فيما يكون عليه دلالة
قاطعة موصلة الى العلم لان المكلف علتهمزاحة في تكليفه، وكذلك يجوز في النبيصلى الله عليه وآله ان لايبين في الحال لامته
مايقوم منه بيانمنه او من الله او عليه دلالة عقلية، ولذلك قال النبيصلى الله عليه وآله لعمر حين ساله عن الكلالة، فقال:«يكفيك
آية السيف» واحال آخر في تعرف الوضوء على الآية. فاما مالايعرف الا منجهته والامام فيه سواء لايجوز فيهما التقية في شيء من
الاحكام (153) .
وبهذا يكون الشيخ الطوسي قداتفق مع اجماع الامامية في مسالة التقية، ودافع عنهاباصرار وحماس بعد ان رد كل اشكال حولها،
ودعم رايه بالدليل والحجة.
المتعة
دافع الشيخ الطوسي عن الزواج الموقت والمعروف بالمتعة دفاعا رائعا، واكد شرعيتهاوحليتها مستندا في دفاعه على النصوص
القرآنية التي لميثبت نسخها معتمدا في اثباتهاعلى السنة الصحيحة وتواتر الاخبار التي تؤكد استمرار العمل بها الى مابعد وفاة
رسولاللهصلى الله عليه وآله.
كما انه استطاع ان يرد على كل الاشكالات التي توسل بها المانعون، واعتمد شهادةالعديد من القراء والمفسرين الذين اجمعوا على
جواز العمل بها انسجاما مع كتاب الله تعالىوسنة رسولهصلى الله عليه وآله واخبار الائمةعليهم السلام والصحابة رضيالله عنهم
وقدكرس الشيخ الطوسيبعضا من صفحات تفسيره - التبيان - للحديثحول المتعة والدفاع عنها.
فقال:
وقوله: «فما استمتعتم به منهن» قال الحسن، ومجاهد، وابن زيد: هو النكاح، وقال ابنعباس والسدي: هو المتعة الى اجل مسمى،
وهو مذهبنا; لان لفظ الاستمتاع اذا اطلقلايستفاد به في الشرع الا العقد المؤجل الاترى انهم يقولون: فلان يقول بالمتعة،
وفلانلايقول بها، ولايريدون الا العقد المخصوص ولاينافى ذلك قوله: «والذين هم لفروجهمحافظون الا على ازواجهم او ما ملكت
ايمانهم» (154) .
لانا نقول: ان هذه زوجه، ولايلزم ان يلحقها جميع احكام الزوجات من الميراثوالطلاق، والايلاء، والاظهار، واللعان; لان احكام
الزوجات تختلف، الاترى ان المرتدةتبين بغير طلاق، وكذلك المرتد عندنا، والكتابية لاترث، واما العدة فتلحقها عندنا،ويلحق بها
ايضا الولد فلاشناعة في ذلك، ولو لمتكن زوجه لجاز ان يضم ماذكر في هذهالسورة الى ما في تلك الآية; لانه لاتنافي بينهما، ويكون
التقدير:
الا على ازواجهم، او ماملكت ايمانهم، او مااستمتعتم به منهن، وقداستقام الكلام.
وروي عن ابن مسعود وابن عباس وابيبن كعب وسعيدبن جبير: انهم قراوا «فما استمتعتمبه منهن الى اجل مسمى» وذلك صريح
بما قلناه، على انه لوكان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لهاجميع المهر بنفس العقد، لانه قال «فآتوهن اجورهن» يعني مهورهن،
عند اكثر المفسرين، ذلكغير واجب بلاخلاف، وانما يجب الاجر بكماله في عقد المتعة. وفي اصحابنا من قال:قوله:«اجورهن» يدل
على انه اراد المتعة، لان المهر لايسمى اجرا، بل سماه الله صدقةونحلة، وهذا ضعيف، بان الله سمى المهر اجرا في قوله «فانكحوهن
باذن اهلهن واتوهناجورهن» (155) .
وقال: «والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم اذا آتيتموهن اجورهن» (156) .
ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكبا لمايعلم خلافه، ومن حمل لفظ الاستمتاععلى الانتفاع فقدابعد; لانه لوكان كذلك
لوجب ان لايلزم من ينتفع بها شيء من المهر،وقدعلمنا انه لوطلقها قبل الدخول لزمه نصف المهر، وان خلا بها خلوة تامة لزمه
جميعالمهر عند كثير من الفقهاء، وان لميلتذ ولمينتفع، واما الخبر الذي يروونه ان النبيصلى الله عليه وآله نهىعن المتعة، فهو
خبر واحد لايترك له ظاهر القرآن، ومع ذلك يختلف لفظه وروايته فتارةيروونه انه نهى في عام الفتح، وقدطعن ايضا في طريقه بما
هو معروف، وادل دليل علىضعفه قول عمر: متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى الله عليه وآله وانا انهى عنهما واعاقب عليهما،
فاخبر ان هذه المتعة كانت على عهد رسول اللهعليه السلام وانه الذي نهى عنهما لضرب منالراي، فان قالوا انما نهى; لان
النبيصلى الله عليه وآله كان نهى عنهما، قلنا: لوكان كذلك لكان يقول:متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى الله عليه وآله فنهى
عنهما، وانا انهى عنهما ايضا، فكان يكون آكدفي باب المنع، فلما لميقل ذلك دل على ان التحريم لميكن صدر عن النبيصلى الله
عليه وآله، وصحماقلناه، وقال الحكمبن عتيبة، قال عليصلى الله عليه وآله: «لولا ان عمر نهى عن المتعة مازنى الاشقي» وذكر البلخي
عن وكيع عن اسماعيلبن ابي خالد، عن قيسبن ابي حازم عنعبداللهبن مسعود، قال: كنا مع النبيصلى الله عليه وآله، ونحن
شباب، فقلنا يارسول الله الانستخصي،قال: لا، ثم رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب، الى اجل (157) .
المعاد
وهو الاصل الخامس من اصول الدين عند الشيعة الامامية، والذين يعتقدون بان اللهتعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد
في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين،ويعذب العاصين، كما وان من يعتقد بالله اعتقادا قاطعا ويعتقد كذلك بمحمد رسولا
منهارسله بالهدى ودين الحق لابد ان يؤمن بما اخبر به القرآن الكريم من البعث والثوابوالعقاب والجنة والنعيم والنار والجحيم،
كما ويعتقد الامامية بان المعاد الجسماني ضرورةمن ضروريات الدين الاسلامي، وان هذا المعاد هو اعادة الانسان في يوم البعث
والنشورببدنه بعد الخراب وارجاعه الى هيئته الاولى بعد ان اصبح رميما (158) .
وقدتعرض الشيخ الطوسي الى هذا المعنى في اكثر من موضع وحسبما تقتضيه الآياتالقرآنية الكريمة ففي تفسيره لقوله تعالى:
«او لم ير الانسان ا نا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال منيحي العظام وهي رميم قل يحييها
الذي انشاها اول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم منالشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون» (159) .
قال الطوسي:
ثم قال منبها لخلقه على الاستدلال على صحة الاعادة والنشاة الثانية فقال: «او لم يرالانسان»، ومعناه او لميعلم «ا نا خلقناه من نطفة
فاذا هو خصيم مبين»، ومعناه انا خلقناه منالنطفة الى العلقة ومن العلقة الى المضغة ومن المضغة الى العظم ومن العظم الى ان
جعلناهسويا، وجعلنا فيه الروح، واخرجناه من بطن امه، وربيناه، ونقلناه من حال الى حال الىان كمل عقله، وصار متكلما خصيما
عليما، فمن قدر على جميع ذلك كيف لايقدر علىالاعادة، وهي اسهل من جميع ذلك؟
ثم قال:
وفي الآية دلالة على صحة استعمال النظر; لان الله تعالى اقام الحجة على المشركينبقياس النشاة الثانية على النشاة الاولى، وانه
يلزم من اقر بالاولى ان يقر بالثانية (160) .
ثم حكى تعالى عن بعض الكفار انه «ضرب لنا» اي ضرب لله «مثلا ونسي خلقه» كيف يكونفي الابتداء فقال: «من يحي العظام وهي
رميم».
قال الحسن: جاء امية الى النبيصلى الله عليه وآله بعظم بال قدبلي، فقال: يامحمد اتزعم ان الله يبعثهذا بعد مابلي: فقال: نعم،
فنزلت الآية.
ثم اردف الشيخ الطوسي قائلا:
فقال الله تعالى في الرد عليه قل يامحمد لهذا المتعجب من الاعادة «يحييها الذي انشاها اولمرة»; لان من قدر على الاختراع
لمايبقى من غير تغيير عن صفة القادر، فهوعلى اعادتهقادر لامحالة (161) .
وقال عند تفسيره لقوله تعالى:
«افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد» (162) .
«والمعنى: انا كما لانعيي بالخلق الاول لانعيا بخلقهم على وجه الاعادة (163) ».
ومثل هذا قاله عند تفسيره لقوله تعالى:
«يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب» (164) .
خاطب الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من البشر، فقال لهم: ان كنتم في ريب منالبعث والنشور - والريب اقبح الشك - فانا
خلقناكم من تراب (165) .
وقداكد الشيخ الطوسي في تبيانه ان الشك في البعث والنشور كفر، وذلك عند تفسيرهلقوله تعالى:
«قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا» (166) .
فقال المفسر:
وفي الآية دلالة على ان الشك في البعث والنشور كفر، والوجه في خلق البشر وغيره منالحيوان، وتنقله من تراب الى نطفة ثم الى
علقة ثم الى صورة ثم الى طفولية ثم الى حالالرجولية ما في ذلك الاعتبار الذي هو دال على تدبير مدبر مختار يصرف الاشياء
منحال الى حال (167) .
وقدحاول الشيخ الطوسي ان يعرض لمسالة البعث والنشور بايجاز واقتضاب بعيدا عنالتفاصيل والشروح، ولعل ذلك راجع الى
ايمانه بعدم وجوب الاعتقاد في تفصيلات المعادالجسماني اكثر مما نادى بها القرآن الكريم (168) وهذا ما عليه اكثر علماء الامامية
حيثيؤكدون بانه:
لاتجب المعرفة على التحقيق التي لايصلها الا صاحب النظر الدقيق كالعلم بان الابدانهل تعود بذواتها، او انما يعود مايماثلها
بهيئات؟ وان الارواح هل تعدم كالاجساد، اوتبقى مستمرة حتى تتصل بالابدان عند المعاد؟ وان المعاد هل يختص بالانسان،
اويجري على كافة ضروب الحيوان؟ وان عودها بحكم الله دفعي او تدريجي؟ (169) .
الشفاعة
مما اجمع الامامية عليه هو الشفاعة وتحدث الشيخ الطوسي في مسالة الشفاعة، واكدعليها في تفسيره وقد عرفها بانها «المسالة في
اسقاط الضرر» (170) .
وقدرفض ماذهب اليه المفسرون من انها تكون في زيادة المنافع - وهو ماقال به الحسنومجاهد - وردهم بقوله:
انها لواستعملت في ذلك لكان احدنا شافعا للنبيصلى الله عليه وآله اذا سال الله ان يزيد في كراماتهوذلك خلاف الاجماع (171) .
ويرى الشيخ الطوسي ثبوت الشفاعة للنبيصلى الله عليه وآله وكثير من اصحابه ولجميع الائمةالمعصومين وكثير من المؤمنين
الصالحين (172) .
وهو عندما يفسر قوله تعالى: «يدبر الامر ما من شفيع الا من بعد اذنه» (173) .
يقول:
الشفيع هو السائل غيره لاسقاط الضرر عنه... والمعنى ان تدبيره للاشياء وصنعته لهاليس يكون منه بشفاعة شفيع ولابتدبير مدبر
لها سواه، وانه لايجسر احد ان يشفع اليه الابعد ان ياذن له فيه، من حيث كان تعالى اعلم بموضع الحكمة والصواب من
خلقهبمصالحهم (174) .
وقال في تفسيره لقوله تعالى:
«واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا همينصرون» (175) .
قال:
وقوله: «ولا يقبل منها شفاعة» مخصوص عندنا بالكفار.
والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبيصلى الله عليه وآله فيشفعه الله تعالى ويسقط بها العقاب عن المستحقين من اهلالصلاة لماروي
من قولهصلى الله عليه وآله:
ادخرت شفاعتي لاهل الكبائر من امتي (176) .
ثم ذكر الشيخ الطوسي:
ان نفي الشفاعة من هذه الآية يختص باليهود من بني اسرائيل; لانهم ادعوا انهم ابناء اللهواحباؤه واولاد ابنائه، وان آباءهم يشفعون
اليه فآيسهم الله من ذلك (177) .
وقال عند تفسيره لقوله تعالى:
«ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم» (178) .
وفي ذلك دلالة واضحة على انه يجوز ان يغفر الله بلاتوبة تفضلا منه وبشفاعة النبيصلى الله عليه وآله;لانه لميشترط التوبة، بل
اطلقها (179) .
ونحن هنا نجد الشيخ الطوسي يتفق مع راي استاذه الشيخ المفيد حينما يقول بشفاعةالنبيعليه السلام لامته:
ان رسول اللهصلى الله عليه وآله يشفع يوم القيامة في مذنبي امته من الشيعة خاصة، فيشفعه الله عزوجل، ويشفع امير
المؤمنينعليه السلام في عصاة شيعته، فيشفعه الله عز وجل، وتشفع الائمةعليهم السلامفي مثل ماذكره من شيعتهم، فيشفعهم
الله، ويشفع المؤمن البر لصديقه المؤمن المذنب،فتنفعه شفاعته، ويشفعه الله. وعلى هذا القول اجماع الامامية الا من شذ منهم (180) .
تعليقات:
1) البغدادي، الفرق بين الفرق، ص(14)
2) الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، ص86.
3) المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص54.
4) القاضي عبدالجبار، شرح الاصول الخمسة.
5) الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، ص92.
6) مصطفى حلمي، قواعد النهج السلفي والنسق الاسلامي في مسائل الالوهية والعالم والانسان عند ابن تيمية.
7) ابن كثير، البداية والنهاية، ج12، ص97.
8) ابن الجوزي، المنتظم، ج8 ، ص179.
9) الزنجاني، عقائد الامامية الاثني عشرية، ص111.
10) يقول الشيخ المفيد في تسمية الشيعة بالامامية مانصه (فاما السمة للمذهب بالامامية ووصف الفريق من الشيعةبالامامية فهو
علم على من دان بوجوب الامامة ووجودها في كل زمان) انظر المفيد، اوائل المقالات، ص7.
11) المظفر، عقائد الامامية، ص36 - 37.
12) الاشعري، مقالات الاسلاميين، ج1، ص235 وما بعدها.
13) الانبياء (21) الآية 22.
14) الطوسي، التبيان، ج7، ص211 - 212.
15) المفيد، اوائل المقالات، ص17.
16) الطوسي، التبيان، ج3، ص79.
17) الجاثية (45) الآية 3.
18) الطوسي، التبيان، ج9، ص245.
19) الصدوق، عيون اخبار الرضا، ج1، ص133.
20) الشورى (42) الآية11.
21) الطوسي، التبيان، ج9، ص147.
22) نفس المصدر، ص148.
23) الصدوق، التوحيد، ص93.
24) الاعراف (7) الآية 143.
25) البقرة (2) الآية 55.
26) الفيل (105) الآية 1.
27) الطوسي، التبيان، ج4، ص535 - 536.
28) الطوسي، التبيان، ج4، ص536.
29) الانعام (6) الآية 30.
30) الطوسي، التبيان، ج4، ص113.
31) الانعام (6) الآية 103.
32) الطوسي، التبيان، ج3، ص223.
33) الشعبي: هو ابو عمرعامربن شراحيل الكوفي من كبار التابعين كان فقيها شاعرا توفي سنة 104ه . انظرالمسعودي، مروج
الذهب، ج3، ص401.
34) الطوسي، التبيان، ج4، ص226.
35) المفيد، اوائل المقالات، ص23.
36) القيامة (75) الآية 23.
37) آل عمران (3) الآية 77.
38) القيامة (75) الآية 23.
39) آل عمران (3) الآية 77.
40) الطوسي، التبيان، ج10، ص198.
41) نفس المصدر، ص199.
42) الطوسي، التبيان، ج10، ص199.
43) البقرة (2) الآية 115.
44) الطوسي، التبيان، ج1، ص114، 115.
45) الفتح (48) الآية 10.
46) الطوسي، التبيانج9، ص317.
47) الزمر (39) الآية 67.
48) الطوسي، التبيان، ج9، ص45.
49) الطوسي، التبيان، ج10، ص430، 431.
50) الطوسي، التبيان، ج1، ص431.
51) المظفر، دلائل الصدق، ج1،ص 226.
52) الطباطبائي، الميزان، ج14، ص247.
53) الاشعري، مقالات الاسلاميين، ج1، ص114.
54) الانبياء (21) الآية 2.
55) الطوسي، التبيان، ج7، ص202.
56) الانبياء (21) الآية 50.
57) الطوسي، التبيان، ج7، ص226.
58) البقرة (2) الآية 106.
59) الطوسي، التبيان، ج1، ص399.
60) الزخرف (43) الآية 3.
61) الطوسي، التبيان، ج9، ص178.
62) المظفر، عقائد الامامية، ص40 ومابعدها.
63) غافر ( 4) الآية 31.
64) الطوسي، التبيان، ج9، ص73.
65) النساء (4) الآية 40.
66) الطوسي، التبيان، ج3، ص200، 201.
67) العنكبوت (29) الآية 40.
68) الطوسي، التبيان، ج8، ص187، 188.
69) آل عمران (3) الآية 57.
70) الطوسي، التبيان، ج2، ص480.
71) الحج (22) الآية 10.
72) الطوسي، التبيان، ج7، ص262.
73) الكليني، اصول الكافي، كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر والامر بين الامرين.
74) الشيخ المفيد، عقائد الصدوق.
75) الاسراء (17) الآيات 37 و38.
76) الطوسي، التبيان، ج6، ص478.
77) الانعام (6) الآيات 48 و49.
78) الطوسي، التبيان، ج4، ص141.
79) الانعام (6) الآية 95.
80) الطوسي، التبيان، ج4، ص209.
81) يونس (10) الآية 44.
82) الطوسي، التبيان، ج5، ص383.
83) الرعد (13) الآية 16.
84) الرعد (13) الآية 16.
85) الطوسي، التبيان، ج6، ص237.
86) الصافات (37) الآية 96.
87) الطوسي، التبيان، ج8، ص470.
88) بدوي، مذاهب الاسلاميين، ج1، ص48.
89) الطهراني، الذريعة، ج7، ص17.
90) جار الله، المعتزلة، ص108.
91) الزخرف (43) الآية 20.
92) الطوسي، التبيان، ج9، ص188.
93) آل عمران (3) الآية 78.
94) الطوسي، التبيان، ج2، ص509.
94) الانعام (6) الآية 148.
96) الطوسي، التبيان، ج4، ص309.
97) الزلزلة (99) الآيات 7 و8.
98) المظفر، عقائد الامامية، ص48.
99) نفس المصدر.
100) القاضي عبدالجبار: ابواب التوحيد والعدل، تحقيق الدكتور ابو العلاء عفيفي، ج3، ص97.
101) الشهرستاني، الملل والنحل ج1، ص102.
102) العصمة في التنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها. وكبائرها راجع عقائد الامامية للمظفر، ص54.
103) المرتضى، تنزيه الانبياء، ص3.
104) نفس المصدر.
105) الفتح (48) الآية 2.
106) الطوسي، التبيان، ج9، ص314.
107) الطوسي، التبيان، ج9، ص314.
108) طه (20) الآية 121.
109) الطوسي، التبيان، ج7، ص217.
110) التوبة (9) الآية 43.
111) الطوسي، التبيان، ج5، ص227.
112) الاعراف (7) الآية 151.
113) الطوسي، التبيان، ج4، ص550.
114) الطوسي، التبيان، ج4، ص550.
115) المظفر، عقائد الامامية، ص65.
116) نفس المصدر، ص67.
117) الطوسي، تلخيص الشافي في الامامة، ص69 ومابعدها.
118) المفيد، اوائل المقالات، ص9.
119) بدوي، مذاهب الاسلاميين، ج1، ص326.
120) كاشف الغطاء، اصل الشيعة واصولها، ص102.
121) المظفر، دلائل الصدق، ج2، ص17.
122) الصدوق، عيون اخبار الرضا، ج1، ص221.
123) المفيد، اوائل المقالات، ص7.
124) المفيد، الاختصاص، ص203.
125) البقرة (2) الآية 124.
126) الطوسي، التبيان، ج1، ص449.
127) الاعراف (7) الآية 187.
128) الطوسي، التبيان، ج5، ص57.
129) النساء (4) الآية 59.
130) الطوسي، التبيان، ج3، ص236.
131) النساء (4) الآية 83.
132) الطوسي، التبيان، ج3، ص273.
133) المائدة (5) الآية 55.
134) الطوسي، التبيان، ج3، ص549.
135) التحريم (66) الآية 4.
136) الطوسي، التبيان، ج10، ص48.
137) المائدة (5) الآية 67.
138) الطوسي، التبيان، ج3، ص574.
139) النحل (16) الآية 89.
140) الطوسي، التبيان، ج6، ص417.
141) الاحزاب (33) الآية 33.
142) الطوسي، التبيان، ج8، ص339.
143) الطوسي، التبيان، ج8، ص340.
144) الانسان (76) الآيات 8 - 10.
145) الطوسي، التبيان، ج10، ص211.
146) المظفر، عقائد الامامية، ص84، 85.
147) آل عمران (3) الآية 28.
148) الطوسي، التبيان، ج2، ص435.
149) المظفر، عقائد الامامية، ص84.
150) المفيد، اوائل المقالات، ص96.
151) المفيد، تصحيح الاعتقاد، ص66.
152) الانعام (6) الآية 68.
153) الطوسي، التبيان، ج4، ص165.
154) المؤمنون (23) الآيات 5 و6; المعارج (70) الآيات 29 و30.
155) المؤمنون(23)الآيات 5 و 6; الآيات 29 و 30.
156) سورة المائدة (5) الآية 6.
157) الطوسي، التبيان، ج3، ص165 - 167.
158) المظفر، عقائد الامامية، ص126، 127.
159) يس (36) الآيات 77 - 80.
160) الطوسي، التبيان، ج8، ص438.
161) الطوسي، التبيان، ج8، ص438.
162) ق (50) الآية 15.
163) الطوسي، التبيان، ج9، ص36.
164) الحج (22) الآية 5.
165) الطوسي، التبيان، ج7، ص258.
166) الكهف (18) الآية 37.
167) الطوسي، التبيان، ج7، ص39.
168) المظفر، عقائد الامامية، ص127.
169) كاشف الغطاء، كشف الغطاء، ص5.
170) الطوسي، التبيان، ج3، ص277.
171) نفس المصدر، ج1، ص214.
172) نفس المصدر.
173) يونس (10) الآية 3.
174) الطوسي، التبيان، ج5، ص335.
175) البقرة (2) الآية 48.
176) الطوسي، التبيان، ج1، ص213.
177) الطوسي، التبيان، ج1، ص214.
178) الزمر (39) الآية 53.
179) الطوسي، التبيان، ج9 - ص37.
180) المفيد، اوائل المقالات، ص52 - 53.
|